بقلم: نهاد الزركاني
في زمنٍ يتداخل فيه ضباب الخوف مع دخان الطغاة، ويصير الحقّ غريبًا في وطنه، يُمتحن الإنسان لا بقدرته على الكلام، بل بقدرته على عدم خيانة صمته.
فالمقاومة ليست حدثًا سياسيًا أو ردّ فعل ظرفي، بل لحظة يتواجه فيها الإنسان مع حقيقة نفسه:
أهو حرٌّ بالفعل… أم مجرد كائن يتنفس داخل قفص؟
المستكبر والضعيف… والمنافق الذي يصنع الهزيمة
المستكبر لا يحترم البشر إلا عندما يجد فيهم إرادةً تقف بوجهه.
ومن يختار الضعف لا يُعفي نفسه من المسؤولية، بل يوقّع بيده صكّ استباحته.
لكن الخطر الأكبر ليس المستكبر ولا الضعيف…
الخطر هو ذلك المنافق الذي يكتشف ترف الانبطاح، فيلبسه ثوب الحكمة، ويحوّل خوفه إلى خطاب عقلاني، ويزيّن للآخرين أن السقوط شكل من أشكال النجاة.
هؤلاء هم الذين يمدّون أعمار الطغاة، ويُطيلون ليالي الظلم.
ولذلك يصبح السؤال موجِّهًا مباشرة إلى القارئ، لا مجازًا بل مواجهة:
كم مرة انتصرتَ لسلامتك على حساب حقٍّ كنت تعرف أنه حق؟
كم مرة صَمتّ، لا لأنك لا تعرف، بل لأنك لا تريد أن ترى نفسك في مرآة الحقيقة؟
وكم مرة اعتقدت أن الظالم وحده مسؤول، بينما كان صمتك يرفع رصيد قوته؟
تحذير النص الإلهي: صمتك ليس بريئًا
((وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)) (هود: ١١٣)
الآية ليست نهيًا عن التعاون، بل نهيًا عن الميل الداخلي، عن الخضوع العاطفي، عن الاعتياد على الظلم حتى يصبح وجهًا عاديًا في الشارع.
فالركون يبدأ قبل الموقف… قبل الكلمة…
يبدأ حين يختار الإنسان ألّا يرى.
الفطرة التي تقاوم… والجسد الذي يفضحنا
الجسد البشري يُعلّمنا درسًا فلسفيًا عميقًا:
كل خلية تقاوم، كل جهاز يقف ضدّ الغريب، وكل جزء فينا يتحرك دفاعًا عن بقاء الكيان.
فلماذا يتعطل هذا القانون الفطري عندما يتعلق الأمر بالظلم؟
هل لأن المرض الخارجي أسهل من مواجهة المرض الداخلي؟
أم لأن مقاومة الطغيان تتطلب شجاعة لا تُنتجها الطبيعة بل يُنتجها الوعي؟
هنا على القارئ أن يسأل نفسه:
هل ما زلت أملك جهاز مقاومتي الأخلاقية، أم عطّلته الأعذار والاعتياد والتعب؟
مشاهد الواقع: أمم تقاوم… وأفراد يقفون وحدهم
في هذا العالم، لا يُقاس الإنسان بما يملك، بل بما يرفض أن يخسره.
هناك شعوب أنهكها الحصار والقتل لكنها لم تتخلَّ عن كرامتها.
وأفرادٌ لا يملكون سوى صوتهم… ومع ذلك، صار صوتهم أثقل من جيوش كاملة.
إن كلمة الحق الواحدة ليست مجرد صوت؛
إنها نقطة فاصلة بين إنسان يريد أن يكون… وإنسان يتنازل عن نفسه.
المقاومة الداخلية: المعركة التي لا يراها أحد صراع
والطغاة المستكبرين يعرفون أن السيطرة على الداخل أخطر من السيطرة على الخارج، لذلك يزرعون:
الخوف والتردد
والطاعة الباردة
والإحساس أن مقاومة الظلم عبثٌ لا جدوى منه
وحين يقتنع الإنسان بذلك، يصبح جزءًا من منظومة الظلم دون أن يشعر.
لذلك، المقاومة الحقيقية ليست صرخة في الشارع، بل ثورة داخل النفس …….. برفض كل ظلم
ثورة تجعل الإنسان قادرًا على أن يقول:
((لن أكون جسرًا يعبر عليه))