في كل عام، تتجددُ الحكاية، وتتراصفُ الأقدام في مسيرٍ عظيم، هو مشاية الأربعين، ليس مجرد دربٍ يُقطع، بل رحلةٌ للروح، اختبارٌ للجسد، وتجلٍ للإيمان الذي يسكنُ القلوب.
آلافُ الأرواح، من كل حدبٍ وصوب، تتلاقى على طريقٍ واحد، يحدوهم الشوق لزيارةِ أبا الأحرار، الحسين (عليه السلام)، كأن الأرضَ تتنفسُ أرواحَ عشاقه، وتتحولُ كل خطوةٍ إلى ترنيمةٍ صامتةٍ من الولاء والمحبة.
تتلاشى الفوارق، ويُصبحُ الجميعُ سواسية، كأنما هو جسدٌ واحدٌ ينبضُ باسم الحسين، ابتسامةٌ هنا، مساعدةٌ هناك، كلمةٌ طيبةٌ تزرعُ الأمل، الأيادي تُمدُ بالخير، والقلوبُ تُفتحُ بالضيافة، وكأن كل بيتٍ على هذا الطريق تحولَ إلى مضيفٍ كريم.
في خضمّ الزحام، تجدُ الضعيفَ والقوي، الصغيرَ والكبير، الفقيرَ والغني، كلهم يتسابقون لنيلِ شرف الخدمة والوصول، كأن المشايةَ تُعيدُ تشكيلَ النفوس، تُذيبُ قسوةَ الحياة، وتُعلي من شأن الإنسانية.
كلُ قطرةِ عرقٍ، وكلُ وجعِ قدمٍ، هي شاهدٌ على صبرٍ لا ينتهي، وإصرارٍ يتجدد، وفي نهاية المطاف، حينما تتجلى القبةُ الذهبيةُ أمامَ الأعين، تنهمرُ الدموعُ لتغسلَ همومَ عامٍ كامل، ويُشعرُ القلبُ بسكينةٍ لم يعهدها من قبل.
مشايةُ الأربعين ليست مجرد ذكرى، بل هي تجديدٌ للعهد، وإحياءٌ لنهجٍ خالدٍ أرادهُ الحسين، إنها دعوةٌ لنا جميعًا لنخطو خطواتٍ نحو النور، نحو قيم الحق والعدل والتضحية، ونتعلمُ أن الطريقَ إلى الله لا يُقطعُ إلا بالمحبة والإيثار.
فسلامٌ على تلك الأقدام التي سارت، وسلامٌ على تلك القلوب التي أحبت، وسلامٌ على الحسينِ يومَ ولد ويومَ استُشهد ويومَ يُبعثُ حياً.
ريحانة