مفارقة موجعة أن يكون التصدي لهداية الناس مهنة!
وفرق كبير جداً بين أن يكون التصدي مهنة ..
وبين أن يكون رسالة ..
فللمهنة – بما هي مهنة – أخلاقياتها ..
وللرسالة – بما هي رسالة – أخلاقياتها ..
وبين طبيعة الرسالة وطبيعة المهنة بون شاسع!
الرسالة فكرة تتجاوز الجزئيات إلى الكليات، والمؤمن بها صاحب همٍّ كبيـر ـيتسامى على الصغائر والشّخصنة.
والرسالية تعني – فيما تعنيه – أن تتحول ذات من يعيش لها من غارقة في الهمـوم الصغيرة والقضايا المحدودة إلى روح تعيش الهموم الكبيرة.
الرسالي مدفوع بروح نبيلة، يتحرك من أجل أنْ تدخل الرسالة في كل قلب، وتعيش في كلِّ فكر، ولا همّ له غير ذلك.
في المهنة ترتبط كل حدود العمل وخطواته بالقضايا الخاصّة والمصالح الشخصية، فتخضع لما يخضع له قانون التجارة من لوازم العرض والطلب، ممّا يجعل العمل تابعاً لما يحقق للمهنة نجاحاً أكبر ومنافع أكثر.
المهنية قد تقتضي عكس الأولويات، فتكون القضايا البالغة الأهمية في حياة المجتمع: مـن بُعْدٍ عن الله سبحانه، وانحرافٍ في العقيدة والسلوك، وفسادٍ وطغيان ووو، وأعداء متربصين، مثل هذه القضايا لن تكون بذي قيمة عند صاحب المهنة، مادام الحديث فيها والتنبيه عن كارثيتها لا يصبّ في مصالح الذات والشخص.
في المهنة تتحول القضايا الجزئية إلى قضايا أساسية في حياة المجتمع مـا دامت (دكّاناً) لبعض العاطلين الذين يعتاشون على موائد الخلاف.
المهني لا يشكل التغيير والإصلاح همـاً أساسياً لـه، بقـدر همه بالجاه والسمعة والموقع.
فأصـحاب المهـن – بمـا هـم أصـحاب مـهـن – ليـسوا بأنبيـاء ولا مصلحين، فـلا يجب عليـهم بالتالي أن يمارسـوا أسـلوب الأنبيـاء والمصلحين ويجسدوا أهدافهم في المجتمع!
ليس مهماً عند المهني أنْ يسقط اعتبار الدين عند الناس، وتتشوه قيمه، مادام ذلك لا يتسبب بأذىً شخصي له كما يعتقد.
وفي أحسن الأحوال قد لا يمانع مثل هذا المهني أنْ يكون للدين والإسلام كلمة لكن بشرط!
أنْ يكون هو حجة الإسلام والمسلمين وليس شخصاً غيره!
الروح المهنية إذا طغتْ ستؤدي – فيما تؤدي إليه – إلى أنْ يتحول المتصدي وأتباعه من مصلحين إلى تجّارٍ وباحثين عن جاهٍ وموقع.
وسيكون الهدف كل الهدف هو تأمين مَجْدٍ شخصي، وعندها لن يَمثّل الدين عند هؤلاء إلّا أداة من أدوات تحقيق ذلك المَجْد.
وعلى ضوء ذلك تتحدد علاقته بالناس من حوله، فلا قيمة عنده لأي شخص مهما كانت قيمتـه ودرجته في الإيمان، ومهما بلغت منزلته في العلم، إذا لم يمثل هذا الشخص لبنة صغيرة أو كبيرة في بناء مجده المادي أو المعنوي؛ لأنَّ علاقته به لا تنسجم مع قانون الربح والخسارة.
أمّا الأشخاص الذين ترتبط مصالحه بهـم وتلتقي رغباتهم برغباتـه ومزاجـه فهؤلاء هم الأصحاب والأحبـاب وهـم فقط العلماء المخلصون، مهمـا بلغـت درجـة جهلهم وانحرافهم عن الدين وابتعادهم عن تعاليمه وأحكامه.
أحبتي ..
إنَّ مَن يريد أنْ يدعو لِقَيَمٍ إلهيّة كقيم التشيع، فلا ينبغي له أنْ يصنع من نفسه صنماً في طريق تلك القيم، ولا يصح لأتباعه أنْ يعينوه على ذلك.
الله الله في التَشَيّع ..
الله الله في التسبب بفرقة الشيعة ..
فالعدو الغادر المتربص على الأبواب ..
وبمجرد أنْ ننشغل في جزئياتنا وتفاصيلنا وفرْقَتِنا فسوف لن نشعر إلّا والعدو قد تسلط علينا مرة أخرى، وسنعود إلى مواطنين من الدرجة العاشرة، وحينها لن ينفع الندم !!
وغداً حساب ..
غداً سنقف جميعاً بين يدي العدل المطلق، وآنذاك لن تنفع (فذلكة) الألفاظ!
لم أكن راغباً في أنْ اتدخل في الجدل القائم، إذ كنت أعوّل على عقلائه في إيقافه؛ أو قَصْره على مراكز العلم، لكنَّ ذلك قد طال كثيراً واتَّسع مع شديد الأسف، فكان لا بد من تسجيل صرخة رفضٍ لهذا المنهج في معالجة الأمور.
وحسبنا الله ونعم الوكيل
الشيخ حسن عطوان