بقلم: المحامي نهاد الزركاني
مقدمة
تُعد قضية خور عبد الله من أبرز القضايا السيادية في تاريخ العراق الحديث، لما لها من أبعاد قانونية وسياسية وجيوستراتيجية. وقد طُرحت هذه القضية في ظل ظروف استثنائية مرّ بها العراق بعد عام 1991، حيث أُدرج تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وفقد بذلك الكثير من أدواته القانونية والسيادية في إدارة ملفاته الإقليمية والدولية.
تركز هذه المقالة على تحليل القرار 833 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1993، والذي رسم الحدود بين العراق والكويت، مع تسليط الضوء على السياق القانوني الذي صدر فيه، وتحديدًا حالة العراق كدولة خاضعة للفصل السابع. كما تتناول الإمكانيات القانونية المتاحة للعراق اليوم، بعد خروجه من الفصل السابع، لإعادة تقييم القرار وتبعاته.
أولًا: الخلفية القانونية لدخول العراق تحت الفصل السابع
في أعقاب غزو النظام العراقي السابق للكويت عام 1990، أصدر مجلس الأمن قرارات عدة استنادًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يُخوّل المجلس باتخاذ إجراءات قسرية بحق الدول المهددة للسلم والأمن الدوليين.
من أبرز هذه القرارات، القرار 687 لسنة 1991، الذي وضع شروط وقف إطلاق النار، وتبعه القرار 833 لسنة 1993، الذي حدد ترسيم الحدود البرية والبحرية بين العراق والكويت. خلال هذه المرحلة، كان العراق يعتبر “فاقدًا للأهلية القانونية” على المستوى الدولي، لأنه كان تحت وصاية وإشراف مجلس الأمن، الذي أصبح يتدخل بشكل مباشر في شؤون سيادته، بما فيها الجغرافيا والاقتصاد والأمن.
ثانيًا: تحليل القرار 833 وظروف صدوره
صدر القرار 833 في 27 أيار/مايو 1993، لتثبيت توصيات لجنة الحدود الدولية التي شكلها مجلس الأمن، والتي اعتمدت على قرارات سابقة أبرزها القرار 687. القرار أعاد ترسيم الحدود البرية والبحرية بين العراق والكويت، مانحًا الكويت امتدادًا بحريًا على حساب العراق في خور عبد الله.
أبرز الإشكاليات القانونية المتعلقة بالقرار:
1. إشكالية الأهلية القانونية: العراق لم يكن في وضع يسمح له بالتفاوض أو الاعتراض بشكل فعّال، نظرًا لوضعه القانوني كدولة خاضعة للفصل السابع.
2. انعدام التكافؤ بين الطرفين: في ظل الحصار السياسي والاقتصادي، لم يكن العراق في موقع يعبر عن إرادته الحرة، بينما كانت الكويت تتمتع بكامل سيادتها ودعم دولي واسع.
3. مخالفة مبدأ السيادة: القرار أعاد ترسيم الحدود بدون موافقة برلمانية عراقية مكتملة، وهو ما يفتح الباب لإعادة النظر فيه قانونيًا لاحقًا.
ثالثًا: موقف القضاء العراقي ومؤسسات الدولة
سجّل القضاء العراقي موقفًا وطنيًا مشرفًا برفض المصادقة على اتفاقيات الترسيم، استنادًا إلى مبدأ عدم التفريط بالسيادة الوطنية. وقد أكد عدد من القضاة والمشرعين أن أي تنازل عن خور عبد الله يُعد غير دستوري وغير ملزم قانونيًا.
لكن، وبالرغم من هذا الموقف، مضت وزارة الخارجية العراقية، تحت ضغط دولي وداخلي، في تنفيذ القرار، بحجة التزامات العراق الدولية. وقد استندت إلى أن القرار 833 صادر عن مجلس الأمن وله قوة إلزامية بموجب الفصل السابع، وهو ما يضعف من موقف المؤسسات الداخلية الرافضة.
رابعًا: الوضع القانوني بعد الخروج من الفصل السابع
في عام 2017، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أن العراق استوفى التزاماته بموجب الفصل السابع، وبذلك استعادت الدولة العراقية جزءًا مهمًا من أهليتها القانونية الدولية.
هذا التحول القانوني يمنح العراق فرصة لإعادة النظر في قرارات صدرت في ظل فقدان الأهلية، ومنها القرار 833. ويمكن للعراق أن يعتمد على المسارات التالية:
1. إعادة التفاوض الثنائي مع الكويت حول الحدود البحرية، بدعم من الوساطة الدولية.
2. اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لطرح إشكالية انتزاع القرار في ظروف استثنائية تفقده التوازن المطلوب.
3. استثمار الوثائق التاريخية، وخاصة الخرائط العثمانية والبريطانية، التي تثبت عراقية خور عبد الله.
4. تفعيل الضغط الشعبي والدبلوماسي في المحافل الدولية لخلق بيئة قانونية داعمة لمراجعة القرار.
خاتمة
إن قضية خور عبد الله لا تُختزل في الجغرافيا فقط، بل تمس جوهر السيادة الوطنية. لقد صدر القرار 833 في لحظة تاريخية كان فيها العراق مغيّبًا عن دوره القانوني والسيادي، مما يُضعف من شرعية ما ترتب عليه من نتائج.
اليوم، وبعد استعادة العراق لوضعيته القانونية، بات لزامًا على صانع القرار أن يتحرك ضمن الإطار القانوني الدولي، لإعادة فتح هذا الملف بصورة علمية، لا انفعالية، تراعي مقتضيات السيادة وتستفيد من كل الأدوات المتاحة في القانون الدولي