أهزوجة حضارية سمعتها من والدي وخالي وهما يهتفان بها مع الناس في شارع العباس (عليه السلام) في كربلاء أيام الانتفاضة الشعبانية سنة 1991، وهي أمنية تختلج في صدور الموالين لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) في هذا البلد الجريح، أمنية مفادها أن يرزقوا حكاماً إسلاميين يحملون شيئاً من مبادئ أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويوظفونها في خدمة شعبهم، ولا يتاجرون بها لنيل المناصب، ولا يتخذون منها سلماً يتسلقون من خلاله للوصول إلى دنياهم، ويكونون بسياستهم هذه قد طرحوا العدل العلوي الذي رفعوا شعاراته لعقود من الزمن، يطرحوه منهجاً للحكم.
علي بن أبي طالب (عليه السلام) الحاكم العادل الذي يتمنى كل إنسان مظلوم، مستلب الحقوق، مضطهد الحاجات، مهيض الكرامة؛ أن يجد نسخة متكررة _ ولو بمقدار ما يستطيع حاملة من الثبات على المبدأ _ لتقديم سياسة العدالة الاجتماعية التي يخاطب رائدها (عليه السلام) شعبه ويقول:
(وَأَلْبَسْتُكُمُ الْعَافِيَةَ مِنْ عَدْلِي، وَفَرَشْتُكُمُ المَعْرُوفَ مِنْ قَوْلي وَفِعْلي، وَأَرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ الْأَخْلاَقِ مِنْ نَفْسِي) ([1])، حيث أنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) برامج العدالة الاجتماعية إلى واقع الحياة أيام دولته العادلة، ولم يجعلها شعاراً انتخابياً مستهلكاً، ولا خطاباً حماسياً مفبركاً، فتراه (عليه السلام) يقول في كتابه لمالك الأشتر: (انصف الله، وانصف الناس من نفسك، ومن خاصة اهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك) ([2]).
علي بن أبي طالب الحاكم العادل الذي حكم (سلام الله عليه) الناس وهو جاد _ لا مسوق شعارات _ في رفض وقوع الظلم عليهم، يقول لمالك الأشتر:
(استعمل العدل، واحذر العسف _ الاعتداء _ والحيف _ الظلم _ فان العسف يعود بالجلاء، والحيف يدعو إلى السيف) ([3]).
من صفاته الإنسانية كحاكم محب لشعبه، صفة الرحمة، وتتجلى في أبهى صورها في (حبه للفقراء)، حيث كان يعيش همومهم، ويشاطرهم معاناتهم، ويقنن القوانين لأجل إعانتهم، ولله درك يا أبا الحسن حينما تقول وتوصى مالكاً: (الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين واهل البؤس والزمنى ..) ([4]).
أيها المحب وأنت تحتفل بذكرى ولادة سيد الوصيين (عليه السلام)، تأمل وخذ درساً وازدد ثقافة حينما تقرأ بعض جوانب سياسته، حيث تراه حازماً قوياً في إدارة الدولة، لا يستعرض شخصيته القيادية في خطاباته وشعاراته، بل ترى علياً (عليه السلام) حاكماً واقعياً، شعوره عين شعاره، فكان صلباً أمام الأخطاء، جبلاً أمام الزلازل، لا تأخذه في الله، وفي مصالح العباد وحقوقهم لومة لائم، (إنه لأخيشن في ذات الله ) ([5]) .
ومن ذلك ….
تلحظه كان جاداً في منع تسلق أبناء المسؤولين، وأقربائهم، وأصدقائهم وحواشيهم إلى السلطة، والاستحواذ على المناصب. بل وجرد كل المسؤولين السابقين من امتيازاتهم التي حصلوا عليها دون استحقاق قانوني وشرعي، (من أين لك هذا ؟؟!!)، كان يقرر ويطبق وهو قوي لا يجامل:
(والله لو وجدته _ المال _ قد تزوج به النساء، وملك به الاماء، لرددته، فان في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق) ([6]) .
كذلك ترى العدل والإنصاف واضحاً جلياً في سياسته، حيث يرفض (مبدأ الحصانة أمام القانون)، ولا يرضى أن يطبق القانون على الفقراء والمستضعفين، أما رجال الدولة، ومن له قوة ونفوذ فهم مستثنون من المحاسبة والمعاقبة، قال عليه السلام: (الذليل عندي عزيز حتى اخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى اخذ الحق منه) ([7])، (لانصفن المظلوم من ظالمه، ولاقودن الظالم بخزامته حتى اورده منهل الحق وان كان كارها) ([8]).
واذا تتبعت معالم العدالة الاجتماعية في دولة الحاكم العادل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لوجدت:
** روعة التشريع الالاهي.
** عدالة الحكم الإسلامي.
** إسلامية الحاكم بحق.
** إنسانية الرئيس.
** توازن المؤسسات.
** حقوق الإنسان.
** الحاكم الجعفري في سياسته، لا في مذهبه فقط.
وختامها مسك ..
ومن جوار قبره الشريف نرمق قبة المجد على أرض الذكوات الييض هذه الليلة، ونقول كما قال الخطيب الحسيني العالم الشيخ الوائلي قدس في نونيته:
سيدي يا أمير المؤمنين ..
ستضل تحسبك الكواكب كوكبا
ويهز سمع الدهر منك رنين
وتعيش من بعد الخلود دلالة
في أن ما تهوى السماء يكون
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
_____
الهامش:
____
([1]) نهج البلاغة : ص 53
([2]) ن . م : ص 53
([3]) شرح النهج ، المعتزلي ، ج 20 ص 246
([4]) موسوعة اخاديث اهل البيت ، هادي النحفي، ج9 ص 138.
([5]) السيرة النبوية ، ابن هشام ، ج 4 ص 250
([6]) شرح النهج ، المعتزلي ، ج 1 ص 270
([7]) ن . م ، ج 2 ص 285
([8]) ن . م ، ج 1 ص 94
_____
الشيخ عمار الشتيلي
النجف الأشرف
ليلة ولادة الحاكم العادل
رجب 1445 هج
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية