كتاب الأسس المنطقية للاستقراء للسيد الشهيد محمد باقر الصدر، كتاب في نظرية المعرفة أي تفسير وتقنين المعرفة.
فالمعرفة قد تنتج في الغالب من قياس واستقراء، والقياس هو استنباط الصغرى (الجزئية) من الكبرى (الكلية) كاستنباط ان محمدا يموت من كبرى ان كل انسان يموت. والاستقراء هو استنباط الكبرى من تجميع الصغريات مثل قولنا ان كل انسان يموت من ملاحظة زيد وعمر وخالد انهم يموتون.
والاستقراء هو المنهج العلمي المتبع في غالب الاستدلالات العلمية الحديثة وكانت هناك ثغرات منطقية في المنهج الأرسطي في تفسير كيفية انتاج الاستقراء لليقين بالنتائج المستقرأة عالجها المذهب الأرسطي والمنهج التجريبي إلا أن المذهبين لم يفلحا في معالجة الثغرة فقدم السيد الشهيد المذهب الذاتي في المعرفة لمعالجة الثغرات.
والفائدة من هذا التقنين أن يقال للذين يثقون بمعطيات العلم الحديث المتأتية من الاستقراء أن هذا المنهج نفسه نستعمله لإثبات وجود الله ونبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وإثبات الإسلام، فإما أن تتنازلوا عن معطيات العلم الحديث وإما أن تقبلوا بالإسلام لأننا نثبته بنفس المنهج العلمي الاستقرائي.
ويشرح السيد الشهيد كيفية معالجة المذهبين الأرسطي والتجريبي لثغرة الاستقراء وينتقدهما ثم يقدم التفسير المنطقي بحسب منهجه الذاتي الذي يجر بعض نتائجه على القياس.
والثغرة الأهم التي عالجها السيد الشهيد هو في الانتقال من الاستقراء الناقص إلى تعميم النتيجة أي متى ننتقل من استقراء نسبة من الجزئيات إلى تعميم النتيجة على الكل كاستقراء تمدد هذه الحديدة بالتسخين وتلك الحديدة ونسبة كبيرة من الحديد وليس كل حديد لنعمم ونقول كل حديد يتمدد بالحرارة. فالمذهب الأرسطي لم يحدد النسبة التي يتم بها الانتقال بل استعان بما يشبه القياس، والمذهب التجريبي عجز عن تبرير الانتقال من الناقص الى الشامل ضمن معطيات التجربة.
أما السيد الشهيد فقد افترض أن النفس مصممة للتنازل عن الاحتمالات الضئيلة لصالح الاحتمالات الكبيرة ولولا ذلك لما أمكن إنتاج معرفة بالاستقراء وهو افتراض لا يخالفه عليه الغربيون.
ثم إن الانتقال من الخاص الناقص إلى الكامل الكلي لا يكون موضوعياً (أي ضمن معطيات الدليل الرياضية) بل في مرحلة ذاتية للنفس أسماها التوالد الذاتي، ووضع له شروطا خاصة للتحكم بالتوالد الذاتي ضمن معطيات التمهيد الموضوعي للدليل الاستقراء وضمن ما تسمح به نظرية الاحتمالات التي نقح بديهياتها في كتابه.
وقد تبرعنا لتفسير المصادرة التي افترضها السيد الشهيد من أن النفس مصممة للتنازل عن الاحتمالات الضئيلة في كتابنا (مبادئ نظرية الانسجام) فقلنا أن النفس (او مركز الوعي) واحدة بسيطة لا يمكنها ان تبقي نظرها الى احتمالين فإذا أمكنها الاطمئنان لأحد الطرفين فإنها تهمل الطرف الآخر وتتنازل عنه ليحصل لها اطمئنان تسميه اليقين بالنتيجة.
ولعل السيد الشهيد لم يقنن هذا التصميم لأنه كان بصدد التقنين للأسس المنطقية لنظريته وليس الأسس الفلسفية لها.