في البصرة (17 / 3 / 1999)
(الانتفاضة الصدرائية.. دروس ومسؤوليات)
ونحن نستذكر أجواء تلك الليلة الجهادية المهمة إسلامياً في بطولاتها، والمروعة في حزن فجرها، يستوقفنا الاشتياق لمحيا أحبتنا وإخوتنا من جهة، ويعتصر قلوبنا الألم لتلك الدماء الزاكيات التي سفكت على منحر العشق الالاهي من جهة أخرى، ويلزمنا حق الأخوة والمحبة والإنصاف والاستذكار الواعي لتاريخ المجاهدين من جهة ثالثة، أن ننحني إجلالاً أمام ذكرى القيام البصري في 17 . 3 1999 لنتأمل في مجالين:
1 _ دروس من حياتهم .
2 _ مسؤولية الوفاء لهم .
دروس من حياتهم :
أولاً: تميزوا بالطاعة الواعية، والامتثال الرسالي المتواصل للمرجعية الحركية العاملة التي تعتبر نيابة للمعصوم عليه السلام، وامتداداً لقيادة خط أهل البيت (ع)، والتزموا أوامر الولي الفقيه وتوجيهاته؛ التزاماً حركياً عملياً مسؤولاً، جعل من مشروعه يسري إلى جسد المجتمع، وينفد إلى طبقاته، وتشهد ساحات صلاة الجمعة يومئذ في الجمهورية وحي الحسين والعشار والقرنة والمدينة وغيرها من محال إقامة الجمعات البصرية، صوراً إيمانية مشرقة على الطاعة والتفاعل بين الأمة وفقيهها.
قال تعالى :{ ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم …}
ثانياً: الطاعة الواعية والتواصل العلمي والعملي والثقافي والحركي مع وكلاء المرجع ومعتمديه، والتزام توجيهاتهم، ودعم حركتهم الدينية والاجتماعية والثقافية والتبليغية في المجتمع.
هامش:
الوكيل هو الحلقة الوسطية التي تربط الأمة بالفقيه ومشروعه، والوكيل إن كان رسالي الحركة، وعلمي الفكر، وتقوائي الشخصية، تلتف حوله جماهير المرجع، فينجح _ بعون الله ومعونته _في تأدية رسالته بين الناس.
روي عن الإمام الرضا (ع) في جوابه لعلي بن المسيب لما قال له: (ان شقتي بعيدة فلست اصل إليك في كل وقت فممن اخذ معالم ديني ؟ فقال ع :من زكريا بن ادم القمي المأمون على الدين).
ثالثاً: الشجاعة في طرح مشروع المرجعية الإصلاحي للمجتمع، والترويج لمعالمه، ودرأ الشبهات عنه، والدفاع عن معطياته، والسعي لإيصال أفكاره إلى أبناء المجتمع.
(الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو اول وهي المحل الثاني
فاذا هما اجتمعا لنفس حرة
بلغت من العلياء كل مكان).
هامش:
اتخطر هنا أيام كنا طلبة في جامعة البصرة كانت الحركة الإسلامية الرسالية الطلابية نشطة جداً، حيث شكل كثير من الطلبة والطالبات خلايا تبليغ واع، وعمل موجه دؤوب، من توزيع الكتب واشرطة التسجيل والاستفتاءات والنشرات الدينية وغيرها، مما جعل صوت الهداية يسري في أجزاء كبيرة من الجسد الجامعي.
رابعاً: تمثل الأخلاق الاسلامية في السلوك الاجتماعي، والسعي الحثيث لاشاعة ثقافة التدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتنكر للمفاسد والرذائل الاخلاقية؛ الفردية والاجتماعية، اضافة الى التألق في طرح روح الاخوة والتسامح والتواصل والايثار في اجواء المحبة التي كانت تجمع الشباب.
(لهم قوة في دين، وحزم في لين، وايمان في يقين، …، وقصد في غنى، وصبر في شدة، وطلب في حلال، ونشاط في هدى ..)
خامساً: تجاوز مفردة الالتزام بالحضور الى صلاة الجمعة المباركة لاسقاط التكليف الفردي عن المكلف، الى التفاعل مع الفريضة بمسؤولية دينية واخلاقية وجهادية عالية، دونها التضحية بكل شىء من أجل تقوية وجودها الديني واعلامها الرسالي، وايصال صوتها، وتكثير سواد ساحاتها نصرة لله تعالى ولدينه، ورسالة تحد في وجه طواغيت العصر، بل وتجاوز الحضور المكاني لاداء الصلاة الى الحضور الميداني في تحويل خطاب الجمعة الاسبوعي الى ورقة عمل تتفاعل معها الجماهير على امتداد ايام الاسبوع.
هامش:
فأين نحن اليوم ؟!
من مسؤولية صلاة الجمعة ؟!
قال تعالى : { ياايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع}
نعم .. تلك الجمعة التي صانها أبناء المرجع انئذ، وتواصلوا معها، ونصروها، وتساقطوا شهداء في محرابها.
(من بعد قضوا الصلاة
قضوا فداءا للصلاة)
سادساً: التواصل المستمر والمتميز والفعال _ رغم صعوبة العيش والخوف من سطوة الطاغوت _ مع المساجد والحسينيات في صلاة الجماعة، والمجالس الحسينية، والانشطة الحوزوية، والمسابقات، وقراءة الادعية الجماعية، والمحاضرات، وغيرها من الفعاليات التي كانت تجعل من المساجد عامرة بالهدى.
هامش:
ويا سبحان الله ..
اين نحن اليوم ؟!
اين مساجدنا ، واين حضورها ؟!
قال تعالى : { انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة واتى الزكاة ولم يخش الا الله ..}
مسؤولية الوفاء لهم :
1 _ إحياء تلك الدروس والعبر والاخلاق السامية العملية التي تزين بها احبتنا الشهداء، ونشرها، والتثقيف لها في الخطابات الدينية، والتحفيز لتمثلها سلوكا عمليا في حياة شباب اليوم.
2 _ توثيق كل تفاصيل تلك الحقبة من تاريخ الحركة الاسلامية الصدرائية في العراق، وارشفة كل شاردة وواردة حدثت في جمعنا وجماعاتنا ومساجدنا والخ، ونقلها بأمانة الى الأجيال التي لم تعاصر مرجعية السيد الشهيد محمد الصدر (قدس)، ولم تعايش أجواء روادها الشهداء الأوائل، روي عن النبي صلى الله عليه واله: ( من ورخ مؤمنا فكأنما احياه ) .
هذه بعض الدروس، وبعض صور الوفاء لشهداء الانتفاضة الصدرائية التي انطلقت ليلة 17 . 3 . 1999 في البصرة بعد استشهاد المرجع العامل السيد الصدر الثاني (قدس).
كتبتها وفاءً للأحبة .
(باعوا على الله أرواحاً مقدسة
ومارضوا غير دار الخلد أثمانا).
الرحمة والمغفرة والرضوان لشهدائنا الأبرار والفوز في دار القرار.
الشيخ عمار الشتيلي
النجف الأشرف
ليلة 17 آذار
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية