البث المباشر
  • الرئيسية
  • من فكر المرجع اليعقوبي
  • أهل البيت
  • المناسبات الإسلامية
  • الدين والحياة
  • البث المباشر

((ليقوم الناس بالقسط)): قراءة أدبية في ضوء النهضة الحسينية

((ليقوم الناس بالقسط)): قراءة أدبية في ضوء النهضة الحسينية

08 يوليو 2025
8 منذ 23 ساعة

بقلم نهاد الزركاني

لسنا من أهل التفسير، ولا ندّعي احتراف الفقه وأصوله.
نحن أبناء الوعي، نرتشف من النص القرآني نوره، ونتدبره بأدب التلميذ لا غرور المتصدر.
نقف أمام آية كريمة تهز الضمير:
> ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ، وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ، لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]
هذه ليست آية عابرة في مصحفٍ يعلّق على الرفوف.
إنها نداء.
إنها مشروع.
إنها مرآة يرى فيها الإنسان صورته: مسؤولًا عن إقامة العدل، لا متسولًا إياه.

البينات والكتاب والميزان: الهداية نحو الإنسان الكامل

تأمل هذه الكلمات:
(البينات)..
نورٌ يطرد ظلمات الجهل، يدعو العقل إلى يقظة دائمة، فلا تنطلي عليه أكاذيب الطغاة.
«الكتاب»..
قانونٌ منضبط، يحرس الحقوق، ويكبح الشهوات الجامحة.
«الميزان»..
ضميرٌ أخلاقي، يزن المصالح والأهواء، فلا يسمح للقوة أن تبرر الجريمة.
هذا ليس دينًا يكتفي بالطقوس.
بل مدرسة تخرّج الأحرار.
دينٌ يعلّم الناس أن لا يسجدوا لغير الله، ولا يركعوا للظلم، ولا يصمتوا على الفساد.

(ليقوم الناس بالقسط): تكليف لا إعفاء
ثم تأتي هذه الجملة المزلزلة:
> «لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ»

يا أيها الإنسان،
لا تنتظر نبيًا آخر ليقوم عنك بما كُلّفت أنت به.
اعلم أن السماء لا تعفيك من العمل، بل تهديك إليه.
التسديد الإلهي ليس بديلاً عن مسؤوليتك، بل ثمرة لوعيك وسعيك.
الدين لم يأت ليصلحك فردًا ويترك ظلم الملوك، بل جاء ليقيم فيك روح العدل، كي تبنيه وتحميه.
(ليقوم الناس بالقسط) تعني:
العدل لا يُوهب.
العدل لا يورّث.
العدل يُبنى، ويُحمى، ويُفتدى.
العدل مسؤولية الناس، يسددها الله لمن عرف الحق وسعى إليه.

أدوات إقامة القسط: من الفكرة إلى الممارسة
لا يكفي أن نرفض الظلم أو ننادي بالعدل من بعيد؛ الحسين علمنا أن الإصلاح مشروع عملي يحتاج إلى أدوات واضحة:
بناء مؤسسات رقابية مستقلة، وقضاء نزيه، ليكون ((الكتاب)) حارسًا للحقوق.
تربية ضمير مجتمعي حي، ليكون «الميزان» يقظًا في مواجهة الهوى.
إعلام حر وكلمة حق شجاعة، لتكون ((البينات)) سلاحًا ضد التزوير والتضليل.

هذه ليست شعارات، بل مهام يومية على عاتق كل مجتمع يريد أن ((يقوم بالقسط)).

تحديات طريق القسط

إقامة القسط ليست طريقًا معبّدًا.
التحديات كثيرة:
أنظمة استبدادية تخنق الحريات.
إرث طويل من الخوف والانقسام.
صراعات تهدد الأمن.
لكن كربلاء نفسها واجهت هذه التحديات:
الحسين واجه التفوق العسكري بالاستعداد للتضحية.
واجه انقسام الرأي العام بالحجة والبيان.

درسه واضح: الوعي والصمود والتضحية هي الجواب على كل عقبة.

في محراب الطف: درس القسط الأعظم

وهنا، في هذا المعنى العميق، تلتقي هذه الآية بروح النهضة الحسينية.
الحسين لم يخرج يطلب سلطانًا.
ولم يحمل سيفًا طامعًا.
بل خرج لأن الصمت عن الظلم جريمة.
لأن تبرير الباطل خيانة.
لأن تزيين الطغيان بالدين مسخٌ للحق.

الحسين نزل إلى الميدان ليقيم القسط ولو وحيدًا.
ولكي يوقظ الناس:

> «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.»

الإصلاح مشروع الناس، لا مراثيهم.

البكاء مسؤولية لا تهمة
كم نبكي الحسين، ولا نبكي على عجزنا عن إقامة عدله!
كم نلطم الصدور، ولا نلطم وجوه الفساد!
كم نتزين باسمه، ولا نحمي مظلومًا ولا نقيم حقًا. لكن لسنا نهاجم الدموع ولا المجالس؛ بل نُدين الانفصام بين العاطفة والفعل.
البكاء على الحسين إن لم يتحول إلى وقود للإصلاح، يصبح طقسًا مجوفًا.
إن أجمل الدموع تلك التي تُغسل بها أيدينا من الفساد، وتُروى بها أرض العدل.

القسط عدالةاجتماعية
(القسط) ليس فقط مواجهة ظلم الحكام، بل أيضًا ظلم الفقر والجوع.
قال الإمام علي (ع): ((لو كان الفقر رجلًا لقتلته)).
لذلك، إقامة القسط تعني:
محاربة الفساد المالي.
ضمان تكافؤ الفرص.
صون كرامة الإنسان من الحاجة والحرمان.

زينب عليها السلام : القسط في صوت امرأة
مشروع القسط لا يكتمل دون شريكة الدرب.
كما كانت زينب (ع) قاضيةً على الطغيان بكلمتها يوم الطف، فلتكن المرأة اليوم قاضيةً على الظلم بقلمها، بوعيها، بشجاعتها.
العدل الذي يُقصي النساء عدل ناقص، لا يشبه كربلاء.

من الفرد إلى المؤسسة

صحيح أن (ليقوم الناس بالقسط) تبدأ من الضمير الفردي، لكنها لا تنتهي عنده.
القسط يحتاج إلى أفراد شجعان، وقوانين عادلة، وأنظمة رادعة.
فلا يكفي أن نكون صالحين كأفراد، بل يجب أن نبني مؤسسات صالحة تحمي الحق.

((ليقوم الناس بالقسط)): مشروع الإنسانية كلها
(ليقوم الناس بالقسط)… لم تُقيد الآية الناس بلون أو لغة أو مذهب.
إنها نداء يتجاوز العناوين الضيقة، ليطرق قلب الإنسان أينما كان.
فالقسط ليس ميراث أمة دون أخرى، ولا حكرًا على مؤمن دون سواه.
إنه حق البشرية جميعًا، ووصيتها المشتركة.
كربلاء لم تُسطر بدم الحسين حدود طائفة، بل كتبت وصية لكل الأحرار:
أن العدل لا يُشترى، ولا يُستعطى، ولا يُبرر بذرائع السياسة أو الدين.
أن الإنسان أخو الإنسان في مواجهة الطغيان.
من كربلاء إلى كل أرض تنشد الحرية،
من صرخة الحسين إلى صرخة كل مظلوم،
من دمعة زينب إلى صبر كل أم ثكلى،
يرتفع هذا النداء الأبدي:

> «ليقوم الناس بالقسط»…
فلتكن رسالتنا إنسانية بقدر وجع الإنسان،
عالمية بقدر اتساع الحق،
رحبة بقدر حاجة الأرض إلى العدل.
تلك هي العالمية الحقيقية:
أن نرى في كل مظلوم أخًا لنا،
وفي كل طاغية عدوًا للإنسانية.
هذا هو ميراث الحسين لمن فهم رسالته:
مشروع عدلٍ يليق بالإنسان،
ويليق بخالق الإنسان.

ختام
ليست هذه محاولة لتفسير الآية بمعنى العالم والمفسر،
بل هي قراءة عاشقة للعدل، متأملة في الخطاب الرباني،
مستلهمة من مدرسة الحسين التي علمتنا أن الدين بلا عدل خيانة،
وأن العبادة بلا حرية نفاق، وأن المجتمع الذي لا يقيم القسط يبيع كربلاء كل يوم بثمن بخس.

مشاركة المقال:

مقالات مشابهة

حقائق عن معاوية بن أبي سفيان

بنو أمية في الميزان

القرآن يتحدث عن أبي سفيان

الجدول

  • على الهواء
  • التالى
  • بعد

لا توجد برامج متاحة في هذا التوقيت

لا توجد برامج متاحة في هذا التوقيت

لا توجد برامج متاحة في هذا التوقيت

مناسبات شهر رمضان

وفاة الصديقة خديجة الكبرى عليها السلام

10

ولادة سبط النبي الاكرم (ص) الامام الحسن بن علي بن ابي طالب عليهما السلام

15

شهادة مولى المتقين الامام علي عليه السلام

21

ليلة القدر

23

تابعنا

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لقناة النعيم الفضائية