بسم الله الرحمن الرحيم
(السكوت القرآني بلاغة الغياب في النص الإلهي)
القرآن الكريم لا يحدثنا فقط بما قال، بل يربينا بما سكت عنه، فكم من آية كان صمتها أبلغ من ألف بيان وكم من موقف كان الغياب فيه أعمق من الحضور، هذه هي اللطيفة القرآنية الخفية التي لم تستخرج بعد بلاغة السكوت.
فالسكوت في النظر الإلهي ليس فراغاً بل امتلاء بالمعنى، إنه لغة أخرى يتكلم بها القرآن يخاطب بها البصيرة لا السمع والوجدان لا اللسان، فحين يسكت القرآن عن تفاصيل يتوقعها القارئ فهو يدعوه ليشارك في بناء المعنى، لا ليكتشف بماهية، تأمل قوله تعالى في قصة يوسف (عليه السلام) (فلما رأى القميص قد من دبر قال إنه من كيدكن).
لم يقل فقال العزيز لأن ذكر الاسم يشكل عن الدهشة التي تصنعها الحقيقة المكشوفة، فالسكوت هنا نقل الحدث من ضيق الشخص إلى سعة الدلالة.
وفي قصة موسى والخضر (فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها)
لم يذكر القرآن انفعال موسى عند الصدمة الأولى وكأن الصمت ذاته يصور الحرج الذي ملأ الموقف، هنا الصمت يصنع المشهد أبلغ من الوصف، بل إن القرآن يسكت أحياناً ستراً ورحمة فلا يصرح بأسماء من أخطأوا أو ظلموا الأنبياء، لأن المقصود هو العبرة لا الفضيحة، فالسكوت في مواضع كهذه تربية على الأخلاق قبل البلاغة.
وهكذا نكتشف أن السكوت في القرآن ليس نسياناً بل اختيار إلهي مقصود يرسم حدود القول ويترك فراغاً للروح أن تتأمل، فالقرآن يعلمنا أن الكلمة لا تكتمل إلا بجوارها صمت يحرسها، وأن المعنى لا يتجلى إلا حين يترك مجال السكوت، أن يتكلم فكما أن في الكلام إعجازاً، في السكوت أيضاً سر من أسرار الوحي، وتلك هي اللطيفة القرآنية التي تهمس ولا تنطق لتحدث في القلب قولاً لا يقال.
(الحمد لله رب العالمين)
الطالب /سامر عبد العزيز العنزي
المرحلة / الثالثة
جامعة باقر العلوم (عليه السلام) الدينية للعلوم الحوزوية
فرع / بغداد / البياع