تتمة:
مفاتيح الوعي وثوابت المواجهة
المفتاح: الخامس / السادس / السابع
المفتاح الخامس:
(وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا، …)
عندما اقترب سماحة المرجع من الإشارة إلى التضحية، أسّس للمواساة بمقدمة تُربّي النفس وتوطنها، إذ يُقدّم توازناً بين الحزن المشروع، والوعي بأن العدو ينهار رغم عنجهيته.
والألم الذي نشعر به لا يعني الهزيمة، بل هو علامة الحياة، لأننا نحتمل الألم بعقيدة، بينما العدو يتألم برعب، ولا يمتلك عزاءنا في الآخرة.
وتكفي آية قرآنية من سورة آل عمران، يُستحضر معناها هنا في سياق توطين النفس على الألم وتحويله من انكسار إلى وعي)كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران: 185)، لفتح نافذة الإدراك بأن الحزن شعور طبيعي، لكنه لا يعني الهزيمة، ففي الوقت الذي يبكي الناس عند المحن، يبني المؤمنون ألمهم سلّماً للصعود.
المفتاح السادس:
(نسأل الله تعالى أن يُخلف على الأمة الإسلامية بقادة أكفاء مخلصين وعلماء خبراء صالحين …..)
البيان لا ينتهي عند التشخيص، بل يفتح المرجع هنا مرحلة “التكليف بعد التوصيف”، إذ يرفع البيان من مجرد تأبين وحزن، إلى مستوى المسؤولية الجماعية.
فهو باب الأمل الرسالي الذي لا مكان لليأس فيه، بل الأمة تعيش سنّة الاستخلاف، كما قال الله تعالى: «وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم: 6).
فالتفاؤل بمستقبل يقوده العلماء الربانيون والقادة المخلصون، لأن الأمة لا تُعقَر بموت قادتها، بل تنجب البديل، إذ إن المشروع إلهي، لا شخصي، ويصنعه الله للمرحلة القادمة مهما فُقِد من القادة، فإن الخلف الصالح يولد من رحم المحن.
الرسالة المبتغاة من المفتاح السادس هي تعليم الأمة ألا تتعلق بالأشخاص، بل بالفكرة، والمؤسسات، والرؤية.
المفتاح السابع:
(فإن عزاءنا وسلوتنا في أن نرى الإسلام ديناً مهيمناً يخفق لواؤه في ربوع الأرض، ويعجّل بظهور بقية الله الأعظم (أرواحنا له الفداء) ويمكّن له دولته المباركة…)
ختم سماحة المرجع بيانه بهذه العبارة ليعطيه نفَساً مهدوياً، لكن لا بمعنى الانتظار السلبي، بل بتعميق التكليف، حيث يُفهم من كلامه أن الاستبشار بظهور الإمام المهدي (عج) لا يعني ترك المسؤولية الحاضرة، بل هو أفق يوجه العمل.
ليكون مفهوم “الهيمنة” للدين واضحاً، ببسط القيم والمنظومة الأخلاقية الربانية، لا كما يصوره العدو بوصفه غلبة عسكرية وحسب، بل تربوياً، لكي تكون هذه العبارة سنداً لأبناء الأمة في محنتهم، لأنهم يؤمنون بأن نهاية المطاف ستكون للحق.
إن هذا البيان، وإن صدر بمناسبة اعتداء، إلا أنه يشكّل وثيقة وعي، ويعيد بناء التصور الإسلامي عن المواجهة، ويوجّه الخطاب الديني ليكون عامل يقظة، لا تهدئة وقتية.
فالمرجعية ليست صوتاً يبكي مع الأمة، بل عقلها البصير الذي ينير لها الطريق، ويذكّرها بمنهج النصر (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ((محمد: 7)
إضاءة
لعل المتابع أو القارئ يسجل ملاحظة عن خلو البيان من التحليل السياسي، وهنا نود لفت انتباه القارئ والمتابع إلى أن سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) لم يغفل هذا التفرع، بل أصّل إلى جذر المشاكل وبعدها العقائدي المحرّك لجميع الأدوات.
فحينها نفهم أن جل الذرائع السياسية التي تختلق بحجة الملف النووي، والنشاط العسكري الإقليمي، إنما تستخدم لتبرير الاعتداء على الجمهورية الإسلامية، كونها المظهر الواضح لعنوان الدولة الشيعية في المنطقة، وتقف مع القوى والشعوب الباحثة عن كرامتها أمام هيمنة الاستكبار.
أركان البنداوي
2025/6/24
للاطلاع على نص البيان
https://yaqoobi.com/arabic/index.php/permalink/846438.html