(نسأل الله أن يستعملنا لطاعته، ويثبتنا على طريق الحق بقوته)
في 13 حزيران 2025 الموافق 16 ذي الحجة 1446هـ، أصدر سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بياناً مهماً، حول العدوان الصهيوني على المنشآت المدنية والعسكرية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وقد تضمن البيان معاني عالية، عبّرت عن عمق الرؤية المرجعية، واستحضار سنن الصراع، وتثبيت بوصلة الوعي لدى أبناء الأمة. وفي هذا العرض، نتوقف عند (سبعة مفاتيح)، وهي أبرز العبارات المفتاحية التي نتصور أنها شكّلت عصب البيان، وما تحمله من أبعاد عقدية وتربوية وسياسية، شكلت العنوان لهذه القراءة:
مفاتيح الوعي وثوابت المواجهة
( 1 / 2 /3 / 4 )
المفتاح الأول:
(بسم الله ذي القوة المتين)
افتتح سماحته البيان بعبارة ليست مجرد تحليل لفظي تقليدي، بل تأصيل لمرجعية القوة.
فالله هو “ذي القوة المتين” الذي يجب أن يُستند إليه في كل شيء، وأن كل قوة بشرية دون هذا السند الإلهي مآلها إلى الضعف والاندثار.
فمنذ اللحظة الأولى يجعل سماحته الأمة أمام وظيفتها، لتكون في موقع التوكل لا التواكل؛ أن تبدأ أي مواجهة بعقيدة القوة الربانية، لتكون محصّنة من الانكسار النفسي.
لتبلغ الأمة تكاملاً إيمانياً هو مكمن العزّة، ومفتاحاً للطمأنينة النفسية، بأن القتال لا يُخاض وحده، بل المؤمن متصل بمصدر متين للقوة. وتذكيراً ودعوة صريحة لرفض الانبهار بالقوة المادية للعدو، وتثبيت أن الصراع تحسمه الإرادة الإلهية، لا الموازنات الدولية.
المفتاح الثاني:
(لم يكن مفاجئاً ما قام به الكيان الصهيوني….. )
بهذا التعبير، ينتقل المرجع في خطابه من العاطفة إلى الفهم، ليضع الأمة أمام مسؤولية التحليل، لا الصدمة، وبذلك يلزم رفع الأمة إلى الفهم التحليلي لأصل الصراع العقدي، مؤكداً أن مَن يقرأ تاريخ هذا الكيان يعلم أن أفعاله ليست استثناءً، بل امتداد لسلوكه القائم على الغدر.
كما يحذّر المرجع اليعقوبي من الانفعال، ويعزز ثقافة الترقب الواعي بدل التبلد أو الصدمة المفاجئة.
وهنا علينا أن نستوعب الدرس العملي وفق الرؤية الاستراتيجية لهذا المفتاح، الذي يفتح نافذة الدعوة لإعادة صياغة الإعلام والخطاب السياسي، لئلا يبقى يدور في دوامة “الرد على الاعتداء” دون مشروع مضاد مسبق.
المفتاح الثالث:
(فلسفة هذا الكيان بُنِيَت على الظلم والعدوان…)
يشير سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) في هذا المفتاح إلى أن الظلم والعدوان ليسا مجرد سلوكيات عارضة لهذا الكيان، بل جزء من بنيته التأسيسية والفكرية، أي أنه نشأ وقام على اغتصاب الأرض وتشريد الشعوب وقهرهم، وهذا توصيف لجوهره البنيوي، وليس فقط لسلوكياته، ووفق البعد العقدي له آثار عميقة في حكم التعامل معه (شرعاً وسياسة).
ولاستحضار الآية (لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً) (التوبة: 8) في سياق البيان، دلالة على أن العدو لا يقيم وزناً لأي عهد أو قيمة.
هنا يعيدنا المرجع اليعقوبي (دام ظله) قرآنياً إلى السيرة النبوية في التعامل مع مَن لا عهد له.
هذا المفتاح بمثابة التمرين التربوي الذي يضع أبناء الأمة أمام وعي ضرورة “فهم العدو”، وعدم التسامح الساذج معه، أو تصديقه في بياناته ومؤتمراته.
المفتاح الرابع:
(فهذه الحرب على المسلمين مستمرة حتى يخضعوا لإرادة المستكبرين، قال الله تعالى: «وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا» (البقرة: 217))
من خلال الشاهد القرآني يؤطر الصراع في بُعده الأكبر، كونه صراع هيمنة، لا مجرد خلاف سياسي.
أي أن البعد الإيديولوجي للاستكبار هو المحرّك، وهذا مصطلح قرآني يرادف الطغيان العالمي، ويحمّل الأمة مسؤولية المواجهة الحضارية.
وينبغي أن نكون على وعي برؤية المرجع حين يفرّق بين) العدو الظرفي(و( العدو الوجودي)، فالأول يمكن التفاوض معه، والثاني لا يمكن التعايش معه لأن وجوده قائم على زوالك.
وهنا يضع سماحته مفتاح الرسالة بين يدي الأمة بدعوة صريحة لتغيير مفردات الخطاب من مفاوضات وسلام إلى تثبيت هوية، وبناء أدوات الردع المقاوم، التي يجب أن تُبنى على قاعدة إيمانية عقائدية، لا على أوهام السلام ومجاملات الإعلام.
فهذه ليست معركة تنتهي ببيان أو قصف، بل صراع طويل .….
يتبع ــ المفتاح الخامس / المفتاح السادس/ المفتاح السابع
أركان البنداوي