الحمد للّه الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادّون، ولا يؤدّي حقّه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن، ثمّ الصلاة و السلام على رسوله المصطفى محمّد أشرف الأنبياء، و على آله وعترته سادات الأتقياء، لا سيّما ابن عمّه ووصيّه ووارث علمه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سيّد الأوصياء.
وبعد، فيعتبر كتاب (نهج البلاغة) عند العلماء والمفكّرين إحدى الذخائر الإسلاميّة المباركة، بعد كتاب اللّه و سنّة نبيّه، و من كنوز الإسلام النفيسة. فهو كتاب (يتضمّن من عجائب البلاغة، و غرائب الفصاحة، و جواهر العربيّة، وثواقب الكلم الدينيّة و الدنيويّة ما لا يوجد مجتمعا في كلام، و لا مجموع الأطراف في كتاب). و(ليس في أهل هذه اللغة إلَّا قائل بأنّ كلام الإمام علي بن أبي طالب هو أشرف الكلام و أبلغه – بعد كلام الله تعالى و كلام نبيّه (صلّى اللّه عليه و آله) وأغزر مادّة، و أرفعه أسلوبا، و أجمعه لجلائل المعاني).
ومن هنا نرى اهتمام كثير من العلماء والمفكّرين في جمع خطب الإمام ورسائله وأقواله قبل الشريف الرضيّ (رحمه الله)، حتّى أنّ المعاجم وكتب الفهرست تحتفظ بذكر رجال تصدّوا إلى جمع كلام الإمام علي (عليه السلام)، ذكر السيّد عبد الزهراء الخطيب في كتابه (مصادر نهج البلاغة) 114 كتاباً من المؤلّفين الذين تصدّوا إلى جمع كلام الإمام وتأليفه قبل أنْ يولد الشريف الرضيّ!
ومما لا شك فيه أنّ كلام الإمام عليّ (عليه السّلام) ملء قلوب العلماء و المفكرين و الأدباء، وملء أسماعهم وأبصارهم، استهوتهم روائعه، وسحرتهم أساليبه وألوانه، فوصفوه بما يدلّ على بعد أثره فيهم و إعجابهم به،
قال ابن أبي الحديد (656 ق) في ديباجة شرحه على نهج البلاغة: (و أمّا الفصاحة فهو (عليه السّلام) إمام الفصحاء، و سيّد البلغاء، وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ولمّا قال محفن بن أبي محفن لمعاوية: جئتك من عند أعيا الناس، قال له: ويحك!، كيف يكون أعيا الناس!، فو اللّه ما سنّ الفصاحة لقريش غيره).
وقال الشريف الرضيّ بعد الخطبة 16 من خطب نهج البلاغة: (إنّ في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان، و فيه زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان، و لا يطّلع فجّها إنسان).
وقال أيضاً بعد الخطبة 21: إنّ هذا الكلام لو وزن بعد كلام اللّه سبحانه و بعد كلام رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، بكلّ كلام لمال به راجحاً، و برّز عليه سابقاً).
أقول: وقد خصّنا الله تعالى بلطفه ومنّه وحسن توفيقه على هذا العبد الخاطئ أنْ وفقنا لإلقاء دروس ومحاضرات في موضوعات متفرقة من (نهج البلاغة) ــ كانت هي البذرة الأولى لهذا الكتاب ــ على كوكبة من طلبة العلوم الدينية، في حوزة النجف الأشرف، تلبية لطلب إدارة جامعة الإمام الباقر (عليه السلام)، وشخص مديرها الأخ الفاضل الشيخ محمد الحيدري (دام عزه)، ثم ألتمسنا بعض الأفاضل من طلبتنا؛ بأن تقرّر، وترتّب هذه المحاضرات، لتُخرج على شكل كتاب يوضع بين الأيادي، ليُنتفع به في الميدان العلمي والمعرفي و الرسالي الناجح من خلال الغوص في بحر كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإخراج دررها وكنوزها التي تنير الآفاق للمريدين، بلْ للناس أجمعين، فلم نجد بُدّاً دون إجابته رغم تزاحم الواجبات والمشاغل، التي أخرتنا عن إصداره بعض الزمن، ليخرج هذا الكتاب الذي وسمناه بـ (دراسات موضوعية في نهج البلاغة) إلى حيز الوجود بلطف الله تبارك وتعالى.
وقد جمعتُ فيه موضوعات متنوعة، بعد بيان جملة من المطالب التمهيدية، وكالتالي:
* سرُّ الجاذبيةِ في كلماتِ نهجِ البلاغة
* تأملات في الخطبة الشقشقية
* تجلّي معرفه الله تعالى في نهج البلاغة
* عالم العبادة في رحاب نهج البلاغة: حقيقتها، آثارها، مراتبها
* السيد المسيح (عليه السلام) في كلمات نهج البلاغة
* منهج الإصلاح والعدالة في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) نهج البلاغة أنموذجاً
* نهج البلاغة ومحورية القرآن في حياة الامة
* الفتنة: حقيقتها، أسبابها، معطياتها، كيف تبدأ، الموقف، وسبل الخلاص منها
* أهمية الحكومة، وأهدافها، وصفات الحاكم في رحاب نهج البلاغة
* مظلمة السيدة الزهراء على لسان علي (عليهما السلام)
نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع به المؤمنين، وأنْ يتقبّله منّا بقبوله الحسن، إنّه نعم المولى، ونعم المعين، وأنْ يجعلنا من العاملين فيه، والسائرين على هداه ، وبركب محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، وأنْ يصل ثوابه الى روح والدي (الحاج طالب كاظم الفريجي) رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وأنْ يجعلني باراً به في الدنيا والآخرة، وأنْ يرضيه عنّي ما حييت، ورضوان من الله أكبر، والحمد لله رب العالمين.
ميثم الفريجي
14 ذو القعدة 1443 هج
النجف الأشرف
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية