في ليل الشام الموحش، حيث خيّم الظلام على القلوب قبل الجدران، كانت هناك زهرة صغيرة، لم تُكمل بعد ربيعها الأول، اسمها رقية. لم تكن مجرد طفلة، بل كانت غصنًا من شجرة النبوة، يختزن في عينيها كل مآسي كربلاء.
كيف لطفلة بعمر الزهور أن تحمل كل هذا الألم؟ كل خطوة في طريق السبي كانت طعنة جديدة في قلبها الغض. الجوع والعطش، قسوة السلاسل، ونظرات الشماتة… لم تكن تفهم لمَ كل هذا يحدث لأبيها، للإمام الحسين، الذي كان نور الدنيا، وابتسامتها.
كل ليلة، كانت تتوسد تراب الشام البارد، تبحث عن دفء حضن أبيها الذي افتقدته. كانت تناجي النجوم بدموعها: “أين أنت يا أبي؟ متى تعود لتحملني بين ذراعيك؟” صوتها الملائكي يختنق بالعبرات، وهي تحلم بيدي أبيها تمسح على رأسها، تروي لها حكايات الفرسان والشجاعة.
وفي تلك الليلة المشؤومة، حيث اشتد بها الشوق، لم تعد تحتمل. بكت حتى اهتزت الخربة، فنُقل إليها رأس أبيها الطاهر. أي مشهد هذا؟! طفلة تحتضن رأس أبيها المذبوح، وقد خُضب بدمائه! قبلتها الصغيرة على شفاه أبيها كانت قبلة وداع، وحياة تنتهي قبل أن تبدأ. لم تستطع روحها الطاهرة تحمل هول المنظر، ففاضت.
رقية، يا زهرة ذبلت قبل الأوان، يا قصة ألم لا تُنسى. بقيتِ في تراب الشام شاهدة على ظلم لم يعرف الرحمة، وعلى حب يتجاوز حدود الحياة. كل دمعة تذرف عليكِ، هي صرخة حق، وذكرى لقلب صغير حمل جرحًا بحجم الكون.
ريحانة