اتفق الفقهاء (قدس الله أرواحهم) على عدم ثبوت ولاية لأحد على الثيِّب الرشيدة التي افتُضَّت بكارتها بنكاح شرعي صحيح واستقلال البنت البالغة الرشيدة إذا لم يكن لها أب أو جد للأب أو كانت ولايتهما ساقطة لبعض العوارض كعدم الرشد، واختلفوا في ولايتهما على البالغة العاقلة الرشيدة إذا كانت بكراً ومن بحكمها.
ولو راجعنا الرسائل العملية للفقهاء المعاصرين لوجدنا بعضهم لا يخصون العقد المنقطع بحكم غير ما يقولونه في عموم الزواج، حيث احتاط السيد الخوئي (قدس سره) لزوماً في تزويج البكر الرشيدة باعتبار إذن الأب والجد وضمه إلى إذنها([1])، وكذا السيد السبزواري (قدس سره) لكنه احتاط شديداً([2]) وفصَّل السيد السيستاني (دام ظله) في مسألة ولاية الأب على تزويج ابنته فقال: ((وأما إذا كانت بكراً فإن كانت مالكة لأمرها ومستقلة في شؤون حياتها لم يكن لأبيها ولا جدّها لأبيها أن يزوّجها من دون رضاها على الأقوى. وهل لها أن تتزوج من دون إذن أحدهما؟ فيه إشكال، فلا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه وأما إذا كانت غير مستقلة في شؤون حياتها فليس لها أن تتزوج من دون إذن أبيها أو جدها لأبيها على الأظهر. وهل لأبيها أو جدها لأبيها أن يزوجها من دون رضاها؟ فيه إشكال فلا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه)) ([3]).
أما السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فقد جعل الولاية في تزويج البكر ((لوالدها وإن كان الأحوط أكيداً أخذ رأيها أيضاً))([4]). ولكنه خصّ المنقطع بالحكم بجواز استقلال البكر الرشيدة به إذا اشترط عدم الدخول فقال (قدس سره): ((للمرأة الثيِّب الرشيدة اختيار نفسها في هذا العقد وكذا البكر الرشيدة إذا كانا قد اشترطا في العقد عدم الدخول، وأما مع إطلاق العقد، فالولاية للأب وحده))([5]) ومنع منه شيخنا الفياض (دام ظله) فقال: ((وقد تسأل هل يجوز التمتع بالبكر بشرط عدم الدخول بها والحفاظ على كرامتها من دون إذن وليها ويكون الهدف من وراء ذلك إما مجرد المحرمية([6]) منها أو الاستمتاع بها بدون جماع أو لا؟ والجواب إن الجواز لا يخلو عن إشكال والأحوط والأجدر به وجوب ترك ذلك))([7]).
والرأي المختار لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي هو جواز العقد على الباكر من دون إذن ولي أمرها بشرطين: أولهما : عدم الدخول لتكرر النهي عنه في الروايات (ما لم يفضِ إليها) (ما لم يقتضّها) (واتقِ موضع الفرج) (ما لم يقتضَّ ما هناك) (فإنه عار على الأبكار)، وثانيهما: أن تكون عاقلة رشيدة مالكة لأمرها لكنه يكون مكروهاً – كما هو الغالب- لذا وردت تعبيرات (يكره للعيب على أهلها) (إن أمرها شديد) (إياكم والأبكار أن تتزوجهن متعة). وقد يكون راجحاً في بعض الموارد كما ورد في بعض الروايات.
لكن سماحته، يرى أن هذه النتيجة هي على مستوى الاستدلال الفقهي وأما في مقام الفتوى[8] فهو يحتاط وجوباً باشتراط اذن الولي ولو من دون دخول حيث ذكر في وجه ذلك أن الفقيه عندما يطلق الحكم للأمة فإنه يراعي إضافةً إلى ما تقدم ظروف تطبيق الفتوى، وهكذا كان يفعل الأئمة المعصومون (عليهم السلام) مع أصحابهم، وحينما أطلق سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فتواه بجواز العقد المنقطع على الباكر من دون إذن ولي أمرها بشرط عدم الدخول فلأجل حلّ المشكلة الجنسية لدى الشباب والشابات وحمايتهم من الوقوع في الحرام خصوصاً في الأوساط المختلطة كالجامعات ودوائر العمل والوظيفة لكن الذي حصل:-
1- إن العقد ما دام من دون علم الأب ويصعب على الشاب الاجتماع بالبنت إلا في بيتها فيدخل البيوت من غير أبوابها وهو محرم لأنه تصرف في مال الأب من غير إذنه ويتوسل الشاب بالحيل المختلفة- وهي محرمة- لتحصيل مراده، أو يصطحبها إلى أماكن يفتضح فيه أمرها كالفنادق أو شقق الأصدقاء.
2-إن الشاب لا يتعامل مع هذه المرأة كزوجة ولا يشعر بأنها عرضه وشرفه فيتحدث لأصدقائه بتفاصيل ما يدور بينه وبينها وربما يصوّر لها بعض اللقطات غير المحتشمة مما يؤدي إلى التشهير بها والتنكيل وسقوط سمعتها في المجتمع.
3-إن المجتمع ينظر إلى البنت المتمتعة بازدراء وتحقير مما يحرمها من حقها في الزواج الدائم وبناء الأسرة الكريمة حتى الشاب الممارس للمتعة حينما يخطب امرأة ليتزوجها فإنه لا يقدم على بنت يسمع أنها قد تمتعت ولو بمجرد العقد.
4- إن هذا الزواج ما دام سرّياً غير معلن فإن من يرى هذه البنت مع رجل فسيتهمها، ويعرضها ذلك للعار الاجتماعي ويسبّب لها العقوبات القاسية التي يلتزم بها المجتمع للخائنات من دون التحقيق في أمرهن.
5-إن شرط عدم الدخول يصعب الالتزام به فإن الرجل والمرأة الأجنبيين إذا اختليا يكون من الصعب الاحتراز من الوقوع في الزنا وهو من أعظم الكبائر والمحرّمات لذا حرّم الشرع الخلوة بالأجنبية ومجّد الله تعالى نبيه الكريم يوسف (عليه السلام) لأنه عصمَ نفسه في مثل هذا الموقف فكيف سيضبط نفسه من يعتقد أن هذه المرأة محللة له؟! فيقعان في المخالفة.
6-كثيراً ما يحصل حمل عند البنت بسبب اللقاء وأحياناً من دون إدخال، وخشية الفضيحة الاجتماعية يتوجهان إلى إسقاطه وهو قتل للنفس المحترمة.
7-وعلى المستوى الأخلاقي فإن الرجل إذا فرّغ عقله وقلبه وذهنه للبحث عمن يتمتع بها وكيفية الوصول إليها ومفاتحتها وسبل اللقاء بها وغيرها من التفاصيل فكم سيبقى في قلبه لله تبارك وتعالى، وهل تستحق الشهوة الجنسية تكريس الإنسان كل جوارحه لها.
فعلى العلماء والخطباء والمفكرين أن يوجهوا الناس نحو الكمال وأن يحصنوهم من أساليب الخداع والمكر وإيقاع الفتيات في الفخوخ.
فإما أن يعي المجتمع هذه القضية على وجهها الصحيح ويقدّر عظمة هذه النعمة والرحمة التي منَّ الله تبارك وتعالى بها على الأمة ليهذّب غرائزهم ويوظّف نشاطهم فيما يسعدهم كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي)([9]) وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل [مَا يَفتَح اللهُ لِلنَاسِ مِن رَحمَةٍ فَلا مُمسِكَ لَهَا] قال (عليه السلام): (والمتعة من ذلك).
وأن يحترم المجتمع هذه العلاقة وينظّمها قانونياً ويستسيغها اجتماعياً، روى الصدوق في الفقيه عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: (المتعة لا تحلّ إلا لمن عرفها، وهي حرام على من جهلها).
أو أن يهذّب الشباب نفوسهم بالتقوى والعمل الصالح ويتجنبوا مثل هذه الانتهاكات حتى يُيَسِّر لهم الله تبارك وتعالى الزواج الدائم من فتيات صالحات لا يغالين في المهور فينعم بحياة زوجية فيها سكينة وطمأنينة واستقرار لا تتوفر في مثل هذه الزواجات السرّية.
انظر موسوعة فقه الخلاف لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) ,ص241, ج/6 , والصادر عن دار الصادقين 1441-2020
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) منهاج الصالحين: ج2 , أولياء العقد، مسالة 1237.
([2]) منهاج الصالحين: ج2، مسألة 1381.
([3]) منهاج الصالحين: ج3، مسالة 67.
([4]) منهج الصالحين: ج2، مسألة 1322.
([5]) منهج الصالحين: ج2، مسألة 1431.
([6]) التعبير فيه تسامح فإن عقد النكاح يؤدي إلى المحللية مع الزوجة لا المحرمية فأما أن يريد بها إلغاء المحرمية على تقدير حذف المضاف إذ بالعقد ترتفع الحرمة بين الرجل والمراة أو يريد أن بالعقد يحقق المحرمية بالمصاهرة بينه وبين أم الزوجة ونحوها.
([7]) منهاج الصالحين: ج3، مسألة 18.
([8]) يمكن اعتبار هذه المسألة من مباحث الفقه الاجتماعي التي في ضوئه بنى سماحته فتواه عليها.
([9]) والروايتان بعدها تجدهما في وسائل الشيعة: أبواب المتعة، الباب1، ح2، 18، 11.
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية