البث المباشر
  • الرئيسية
  • من فكر المرجع اليعقوبي
  • أهل البيت
  • المناسبات الإسلامية
  • الدين والحياة
  • البث المباشر

ثورة زيد بن علي بن الحسين (ع) في الكوفة

ثورة زيد بن علي بن الحسين (ع) في الكوفة

31 ديسمبر 2025
6 منذ ساعتين

الدكتور عبد الهادي الطهمازي

ثار زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب عليهم السلام في الكوفة سنة 122هـ، وكان لهذه الثورة ظروفها الموضوعية ‏ومبرراتها الواقعية، كما كان لها آثار كبيرة في تحديد مسيرة الأمة في الفترات التي تلتها، فأضحت أول مسمار في ‏نعش الدولة الأموية، وفاتحة عهد جديد لسلسلة من الثورات التي قادها أبنه يحيى، ومن ثم أتباعه الزيدية حتى سقوط ‏الدولة الأموية، بل استمرت هذه الجذوة الى عصر الدولة العباسية حين اكتشف المسلمون أن بني العباس وبني أمية ما ‏هما إلا وجهان لعملة واحدة.‏

أسباب إعلان الثورة.‏

السبب الأول:‏

أطلق زيد شرارة ثورته في عهد إمامة ابن أخيه الصادق عليه السلام، وكان الظلم قد شاع في ذلك العصر بشكل ملفت ‏للنظر، فقدت أستتبت فيه الأوضاع لبني أمية، فطفقوا يبطشون بالناس، ويفترون على من شاءوا من المسلمين لتسقيطه ‏وهدر كرامته، كما شاعت المنكرات لا سيما شرب الخمور والغناء وممارسة الفجور، فضلا عن دخول الأفكار الوافدة ‏من الأمم التي دخلت الإسلام متأخرا، وربما كانت تلك العقائد تتعارض مع قيم الإسلام وأسسه.‏

والمسلمون انقسموا على أنفسهم الى خوارج ومرجئة ومعتزلة ….، وأهم من ذلك كله تسلط حكام الجور ممن تجاوزوا ‏كل الحدود في ظلمهم وعسفهم واستهتارهم بأرواح المسلمين وأموالهم وأعراضهم.‏

قال البلاذري في أنساب الأشراف أنه: ((وكان إذا بويع قال: أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيّه، وجهاد الظالمين، والدفع ‏عن المستضعفين وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء على أهله، وردّ المظالم، وإفضال المحمرة –أي نصرة ‏المسلمين من غير العرب الذين كانوا من أكثر طبقات المجتمع تهميشا وتعرضا للظلم-، ونصرنا أهل البيت على من ‏نصب لنا الحرب، أتبايعون على هذا؟ فيبايعونه، ويضع يده على يد الرجل. ثم يقول: عليك عهد الله وميثاقه لتنبئن ‏ظننا ولتنصحنا في السرّ والعلانية والرخاء والشدة، والعسرة والميسرة. فيبايع على ذلك)).‏

قال أيضا: ((وكتب زيد إلى أهل الآفاق كتبا يصف فيها جور بني أمية وسوء سيرتهم ويحضهم على الجهاد، ويدعوهم ‏إليه، وقال: لا تقولوا: خرجنا غضبا لكم ولكن قولوا: خرجنا غضبا للَّه ودينه)).‏

السبب الثاني:‏

ما ذكره الشيخ المفيد أعلى الله مقامه في الإرشاد: من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطلب بثأر الحسين عليه ‏السلام، والغضبة لله تعالى، قال: ((وكان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم، ‏وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويطالب بثارات الحسين عليه ‏السلام)).‏

السبب الثالث:‏

الاستفزازات الشخصية التي قام بها هشام بن عبد الملك لزيد حتى وصلت الوقاحة وسوء الأدب مع آل الرسول صلى ‏الله عليه وآله: أن دخل زيد يوما على هشام، فقال هشام: ((ما فعل أخوك البقرة –يعني الإمام الباقر عليه السلام-؟ فقال ‏زيد: سماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم باقرا، وتسميه بقرة! لقد اختلفتما)). ‏

وزعموا أن عليه شخصيا دينا لخالد بن عبد الله القسري والي الكوفة السابق، فاستقدمه هشام لهذا الغرض، قال ‏اليعقوبي: ((وأقدم هشام زيد بن علي بن الحسين، فقال له: إن يوسف بن عمر الثقفي كتب يذكر أن خالد بن عبد الله ‏القسري ذكر له أن عندك ستمائة ألف درهم وديعة، فقال: ما لخالد عندي شيء! قال: فلابد من أن تشخص إلى يوسف ‏ابن عمر حتى يجمع بينك وبين خالد. قال: لا توجه بي إلى عبد ثقيف يتلاعب بي، فقال: لابد من إشخاصك إليه)).‏

فكانت أمثال هذه الاستفزازات وغيرها سببا قريبا ومباشرا لثورة زيد عليه السلام، أعني رد الاعتبار لآل البيت عليهم، ‏وقد صرَّح بذلك زيد نفسه علنا. روى الشيخ الكليني في الكافي: ((أن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام دخل على ‏أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام، ومعه كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها إلى أنفسهم ويخبرونه باجتماعهم ‏ويأمرونه بالخروج، فقال له أبو جعفر عليه السلام: هذه الكتب ابتداء منهم، أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه؟ ‏فقال: بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله ولما يجدون في كتاب الله عز ‏وجل من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا، ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء)).‏

إذن كان هدف الثورة الأهم هو رد اعتداءات القوم على آل البيت عليهم السلام واستهتارهم بحقهم، فكان لابد أن يقوم ‏شخص منهم ليوقف الظالمين عند حدهم.‏

مجريات أحداث الثورة

قال المؤرخون وكما سلف أن لخالد بن عبد الله القسري وديعة عند زيد، فاستدعاه هشام بن عبد الملك، وعامله معاملة ‏سيئة حيث حجبه مدة أربعين يوما، ثم أذن له ومنع الناس أن يفسحوا له في المجلس، ودار حوار بين الرجلين كان ‏قصد هشام منه استفزاز زيد ليستخرج المكنون في ضميره، وما استقر عليه رأيه من موقف تجاه السلطة. وقد نجح في ‏هذه الخطوة الى حد ما حين سمعه بعض موالي هشام وهو يتمثل بأبيات من الشعر: ‏

أذلُّ الحياة وعزّ الممات * وكلَّا أراه طعاما وبيلا
فإن كان لابدّ من واحد * فسيروا إلى الموت سيرا جميلا. فعرف هشام أنه مصمم على الثورة.‏

ثم أرسله الى والي الكوفة يوسف بن عمر الثقفي، وكان عليه السلام كارها الذهاب، إليه لعلمه بأن كل هذه المسرحية، ‏الهدف منها التركيع وإذال سادات آل البيت لا أكثر.‏

وأخيرا مَثُل بين يدي يوسف بن عمر، وثبتت براءته من التهمة، بعد أن لم يستطع خالد القسري إقامة بينة على ما ‏ادعاه، وقال زيد ليوسف بن عمر: كيف يترك عندي وديعة وهو يسب آبائي على المنبر كل يوم، فأطلق يوسف بن ‏عمر سراحه. ‏

فأقام مدة في الكوفة، ثم ازعجه الوالي بالرحيل عنها لخوفهم من تحركاته، فسار الى المدينة لكنه ما لبث أن عاد الى ‏الكوفة، وأخذ يتنقل من بيت الى آخر حذرا من السلطة الحاكمة. ‏

ومدة قيامه في الكوفة اتخذ زيد بن علي عدة خطوات وتدابير بهدف تحقيق النجاح لثورته، وجمع أكبر عدد ممكن من ‏الأنصار، ومن بين تلك الإجراءات
‏

1-تغيير محل إقامة من وقت الى آخر للحفاظ على سرية تحركاته، وكي لا يقع في فخ السلطة الأموية.‏
‏

2-تكرار عملية الخروج من الكوفة والدخول إليها، فمكث في البصرة شهرين، وفي الحيرة، لتبقى السلطة متحيرة في ‏تفسير تحركاته، ولتطمئن أن خروجه ودخوله المتكرر الى الكوفة لا يشكل خطر عليها.‏
‏

3-مصاهرة قبيلتين من قبائل الكوفة، حيث تزوج من بناتهم لتكون تلك العشائر عونا وسندا له.‏
‏

4-استقطاب وجهاء المجتمع لا سيما الفقهاء حيث كان يختلف الكثير منهم إليه، وكان أولئك الفقهاء يحضون بمكانة ‏اجتماعية مرموقة، كل ذلك بهدف جذب قلوب الناس له.‏
‏

5-الكتابة وإرسال الرسل الى سائر الأمصار خصوصا المشرق الإسلامي، من أجل جمع أكبر عدد ممكن من الأنصار ‏من جهة، ولتهيئة الأجواء التي ستفرزها الثورة في حال نجاحها. ‏

وعرف والي الكوفة يوسف بن عمر وكان في الحيرة تحركات زيد عن طريق سليمان بن سراقة البارقي، فأرسل على ‏عجل الى وكيله في الكوفة الحكم بن الصلت بجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم وحصرهم فيه.‏
‏ فبعث الحكم بن الصلت إلى العرفاء والشرط والمقاتلة فأدخلهم المسجد. ثم نادى مناديه: ألا إن الأمير يقول: من أدركناه ‏في رحله فقد برئت منه الذمة، ادخلوا المسجد الأعظم.‏
‏

فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد بيوم، وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة ‏الأنصاري، فخرج ليلا وذلك ليلة الأربعاء في ليلة شديدة البرد من دار معاوية بن إسحاق فرفعوا المرادى (أعمدة ‏الخشب) فيها النيران، ونادوا: يا منصور أمت أمت حتى طلع الفجر، فلم يخرج إليه سوى مائتين وثمانية عشر رجلا.‏

وأمر الحكم بن الصلت بدروب السوق فغلقت، وغلقت أبواب المسجد على أهل الكوفة وعلى أرباع الكوفة، وبعث إلى ‏يوسف بن عمر فأخبره الخبر، فأمر يوسف مناديه: فنادى في أهل الشأم من يأتي الكوفة، وكان هناك عسكر شامي ثابت ‏قرب الكوفة، فجاؤوا الى الكوفة مسرعين.‏

وبعد مناوشات وقتلى بين الفريقين يطول شرحها، صمد زيد ليلتين، ثم جاءه سهم غرب وقع في الجانب الأيسر من ‏جبهته عليه السلام فقضى نحبه، وانتهت ثورته في الكوفة، بهذه السرعة رغم الإعداد الجيد، والجهد الكبير الذي بذله ‏في سبيل نجاحها. ‏

لكن كل مقدرات الأمة من المال والسلاح والعدد كانت بيد أعدائه، إضافة الى حبس أتباعه من قبل السلطة الحاكمة في ‏المسجد، وغلق أسوار المدن القريبة من الكوفة لئلا يأتيه منها مدد، وتدخل الجيش الشامي فحوصر زيد عليه السلام ‏وأتباعه بين شرط الحكم بن الصلت من الداخل، وجيش الشام من الخارج.‏

مشاركة المقال:

مقالات مشابهة

الخبروية العالية في بحوث الشيخ الأستاذ في الفقه والأصول(1)

مرجعية الشيخ اليعقوبي بين الحقيقة والتشويه

الحرية والحق: صمود الإنسان أمام الظلم والطغيان

الجدول

  • على الهواء
  • التالى
  • بعد

لا توجد برامج متاحة في هذا التوقيت

لا توجد برامج متاحة في هذا التوقيت

لا توجد برامج متاحة في هذا التوقيت

مناسبات شهر ربيع الاول

شهادة الامام الحسن العسكري ع

8

ولادة النبي الاكرم (ص)

17

ولادة الامام جعفر بن محمد الصادق ع

17

تابعنا

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لقناة النعيم الفضائية