البث المباشر
  • الرئيسية
  • من فكر المرجع اليعقوبي
  • أهل البيت
  • المناسبات الإسلامية
  • الدين والحياة
  • البث المباشر

بقيع الغرقد وجه للتراث الثقافي الإسلامي

بقيع الغرقد وجه للتراث الثقافي الإسلامي

27 أبريل 2023
268 منذ سنتين

سألني شاب جامعي من إحدى الدول العربية في حوار عبر المراسلة قائلاً: لم تستذكرون موضوع هدم قبور البقيع وقد مضى على الحادثة زمن طويل؟. وهل من التحضر والثقافة أن نحزن ونتألم على الحجارة المهدمة ؟! فأجبته باختصار:

 

إن مقبرة البقيع بما تحمله من عمق تاريخي وعقائدي وقيمي وحضاري تمثل وجهاً للتراث الثقافي الإسلامي للأمة الإسلامية عبر أجيالها إلى يوم القيامة، والذي تتذوق النفس البشرية السليمة في طريق تكاملها عبق ذكرياته دائماً، وتتحرى مواضع الجمال الإنساني فيه، لتستذكر وبوفاء سيرة ومسيرة عظماء الأولياء والقادة الذين قدموا كل شيء من أجل بناء الإنسان وتحقيق سعادته وحفظ كرامته وتحديد المسارات الصحيحة في حياته.

وإن لتلك الآثار الشريفة في بقيع الغرقد دلالات للبشرية ومقوّمات للهداية، وهي من أحسن الذكريات لا الذكرى فقط، فالدنيا بأجمعها تحتفظ بالآثار بكل أنواعها، حيث أن العقل والعرف يدلان على حفظها، ولا يكون ذلك خلاف الشرع الذي يصرح بالمرور في ديارهم والنظر إلى آثارهم.

ونحن في ذكرى يوم الثامن من شوال وهو يوم ذكرى رزية هدم قبور أهل البيت (ع) في بقيع المدينة لا نقف لاستذكار حادثة مضى عليها الزمن الطويل وأسدل عليها الستار؟!

إنما ننطلق من عمق ديني عقائدي ثقافي حضاري أكبر من الحزن والألم والوشاح الأسود على الحجارة المهدمة مما يتصوره بعضهم حتى ممن يحسبون على مذهب أهل البيت (ع)، ففي استذكارنا مقاصد وأهداف منها:

أولاً: إننا لم نرتبط بالتراب بما هو تراب، ولم نتأسف ونحزن على الحجارة بما هي حجارة مهدمه، إننا نرتبط دينياً وروحياً وعلمياً وأخلاقياً وثقافياً وحضارياً بالشخصية التي شرف _ بضم الشين وتشديد الراء _ التراب بأن ضم جسدها الشريف، فالقبر له اعتبار معنوي وقدسي مرتبط بقدسية الشخصية التي تشرفت البقعة بها.

نحن نقف عند البقيع لنستذكر الرسالة الإسلامية، والذي ليس من الصحيح، ولا من الصواب، ولا من الشرع التجاوز بهدم مشاهد وقبور حملتها، وتراجمة وحيها وهم آل محمد عليه وعليهم السلام، الذين قدسهم الله تعالى، وأذهب عنهم الرجس، فطهروا، وطهرت بهم البقاع، وتقدست بهم المشاهد، وحملت مدافنهم رمز القدسية والجلال.
قال تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الأحزاب ٣٣

ثانياً: الاستذكار استنكار شرعي وأخلاقي لا لأجل التراب بما هو تراب، إنما للمخالفة الواضحة لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وللتجاوز على حرمة مشاهد تشرفت بأنها ملحد أجساد أولياء الله وهم ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله، وهم موضع لمحبة جميع المسلمين ومودتهم وزيارتهم.
قال تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) الشورى ٢٣.

فالمراقد كانت موجودة في مكة المكرمة والمدينة المنورة حتى في فترة النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله، ولم تكن هناك أوامر صريحة منه عليه وآله الصلاة والسلام بعدم زيارتها أو هدمها، ومن هذه القبور قبر السيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم (ع) وقبر ابنه إسماعيل (ع)، وهناك بلدان أخرى تحتوي على المراقد والقباب المشيدة كالأردن وفلسطين وغيرها، يقول ابن تيمية في كتابه (الصراط المستقيم): “عندما تم فتح القدس كانت لقبور الأنبياء هناك أبنية”

ثالثاً: إذا كان الكلام عن التحضر، فنحن ننطلق من التحضر لاستنكار الجهل والتخلف والهمجية والبعد عن الثقافة، فالحالة الحضارية توجب الاهتمام بالتراث والتأريخ، وهو من سمات الأمم المتحضرة النابضة بالحياة والتطور والتجديد، والتي لا تنسى عظماءها ولا تهمل آثارهم، وهي دائمة التذكر والتخليد والاحتفاء بذكراهم.

فإحياء الذكرى صورة متحضرة للاعتراض على محاولات تمييع التاريخ الأصيل للامة الإسلامية، ومحو آثاره، وإزالة الشواهد العظيمة لرواده الأوائل، والتي تعتبر محطات استذكار تنقلك إلى ما قبل آلاف السنوات حيث عصر النبوة والرسالة وأيام صحابة النبي صلى الله عليه وآله.

هذه الشواهد التي تعتبر نافذة من نوافذ تواصل الحاضر والمستقبل الذي بمثابة الأوراق والثمار، مع الماضي الأصيل الذي هو بمثابة أصل الشجرة السامقة التي تؤتي أكلها كل حين.
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) إبراهيم ٢٤

رابعاً: نحن لا نستغرق في المأساة بشكل سلبي جامد عندما نمر بالذكرى سواء أكانت ذكرى شهادة الإمام المعصوم عليه السلام أو هدم قبره!!

وإنما نتعاطى إيجابياً مع كل أبعاد ذلك الحزن العميق الذي تكتنزه الحادثة، ونتحرى عن كل ما تحمله شخصية صاحب القبر المهدوم من أبعاد قيمية وتربوية وثقافية.

فالبقيع محطة للتزود بقيم السماء، فعندما تخنقك العبرة حزناً على تهديم المشاهد، تستوقفك الذكرى على تاريخ القيم والمبادئ والفضائل والمواقف التي ثبتت الإسلام رسالة ومنهجاً للحياة عبر عصور الإنسانية.

قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يوسف : ١١١

خامساً: إن هذه القبور وهذه المشاهد الشريفة هي محال نزول رحمة الله تعالى، وهي مهوى أفئدة المسلمين، ومعراج أدعيتهم، ومتنفس مناجاتهم، عندما يأتون إلى المدينة المنورة وينتقلون من زيارة قبر الخاتم صلى الله عليه وآله إلى زيارة قبور ذريته عليهم السلام.

فنحن نحزن كثيراً على هدم هذه الأبواب الإلهية، والمتنفسات الروحية الجليلة القدر، العالية المقام، والتي جعل الله تعالى أصحابها وسائطا لفيضه، وسبلاً يسلكها العباد للوصول إلى رضوانه، وجعل أماكنها محالاً لذكره.
قال تعالى: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) النور ٣٦.

سادساً: في ظل تكاثر دعوات الانفتاح والحوار والتسامح الديني والمذهبي والطائفي وحرية التعبير واحترام الرأي الآخر، فإن إحياء الذكرى الأليمة لهدم قبور آل محمد عليهم السلام، والوقفات الاحتجاجية السنوية للاحتجاج على منع بنائها، والمطالبة بالسماح بتشييدها من جديد هي تجديد متواصل لصناعة السلام والاستقرار في عالم اليوم، والتي تبدأ من حماية المعتقدات الدينية وحرية ممارسة الشعائر وصيانة التراث الديني والإنساني، لذلك فإن إعادة بناء البقيع هي مسؤولية شرعية وقانونية وإنسانية مع ما يحققه هذا الإعمار من إقرار للسلم الاجتماعي وحماية الحريات والحقوق وتحقيق التقارب والتعارف والوحدة الإسلامية والإنسانية وترسيخ للتعددية والتنوع الإنساني.

والحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

الشيخ عمار الشتيلي

النجف الأشرف

ذكرى هدم قبور البقيع

١٤٤٤ هج

 

يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

مشاركة المقال:

مقالات مشابهة

رقية.. زهرة ذبلت قبل الأوان!

على طريق يا حسين.. بصمات المبلغات الرساليات في الأربعين

ماذا تقصد مرجعيات النجف بحصر السلاح بيد الدولة؟

الجدول

  • على الهواء
  • التالى
  • بعد

لا توجد برامج متاحة في هذا التوقيت

لا توجد برامج متاحة في هذا التوقيت

لا توجد برامج متاحة في هذا التوقيت

مناسبات شهر رمضان

وفاة الصديقة خديجة الكبرى عليها السلام

10

ولادة سبط النبي الاكرم (ص) الامام الحسن بن علي بن ابي طالب عليهما السلام

15

شهادة مولى المتقين الامام علي عليه السلام

21

ليلة القدر

23

تابعنا

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لقناة النعيم الفضائية