في زيارتي الأخيرة إلى النجف الأشرف، حيث تحتضن هذه المدينة المقدسة ميراثًا علميًا وروحيًا استثنائيًا، حرصت على التتبع القريب لأحوال الحوزة العلمية، وحالة المرجعيات، واتجاهات الدرس الخارج، فوجدت أن المشهد الديني في النجف يمرّ بتحول دقيق، وأن الحاجة باتت ماسة إلى مرجعية علمية قادرة على الجمع بين العمق الفقهي والرؤية الرسالية. ومن خلال هذا التتبع، برز أمامي بوضوح موقع سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) كأحد أبرز من يُشار إليهم اليوم في دائرة الأعلمية.
فما يقدّمه سماحته من دروس مُعمقة في الفقه وابحاث عالية في علم الأصول، لا سيما على مستوى استعادته البُعد الجمعي في الفقه، يكشف عن عقل اجتهادي مبدع، لا يكتفي باستنساخ المسائل، بل يسعى لتأسيس بنية فكرية وفقهية جديدة تنبع من صميم الحاجة الرسالية.
كما أن نتاجه العلمي الغزير – من كتب فقهيّة في المسائل الخلافية والمستحدثة، إلى أبحاثه في فقه المشاركة في السلطة، إلى تفسيره الموضوعي في كتاب من نور القرآن – يدلّ على سعة باعه، وتنوع اهتماماته، ووضوح منهجه في ربط النصوص بالواقع، وتشغيل العقل الفقهي خارج الحدود التقليدية المألوفة.
وإذ نرى اليوم بعض المرجعيات تعيد إنتاج ما سبقها دون تجديد، فإننا نجد عند الشيخ اليعقوبي طموحًا واضحًا لإعادة بناء الفقه من الداخل، وتحويله إلى مشروع يواكب قضايا الأمة، وينتشل الوعي الديني من سطحيته. بل يمكن القول إن سماحته من القلائل الذين لا يزالون يرون في الفقه عقل الأمة النابض، وليس فقط مرجعًا في الفتاوى الفردية.
إن تقييم الأعلمية ليس شعارًا يرفع، بل هو حصيلة تميّز علمي، واستمرار في العطاء، وبصيرة في التشخيص، وكلها اجتمعت في آية الله الشيخ محمد اليعقوبي
الذي يمثل اليوم أملاً حيًا لحوزة النجف، ولكل من يتطلع إلى فقه حيٍّ قادر على قيادة الأمة.
ومن هنا، فإن من الإنصاف العلمي والواجب الشرعي أن يُعاد
النظر بموضوعية في موقع سماحته ضمن خارطة المرجعيات الدينية الأعلم في النجف الأشرف، بعيدًا عن الضغوط النفسية والانتماءات التقليدية، فالأمة أحوج ما تكون اليوم إلى مرجعية حيّة تمتلك الكفاءة والرسالة معًا، وتملك من العمق والجرأة ما يؤهلها لقيادة التحول.
هادي حسين ناصرى/ إسلام آباد