بقلم: أحمد صاحب الساعدي
حين نتحدث عن المرجعية في العراق، فإننا لا نستحضر مجرد مؤسسة دينية، بل نستدعي ذاكرة شعب وهوية مجتمع، وموقعاً تاريخياً يتجاوز حدود الفتوى والرسالة العملية.
والحديث عن السيد محمد محمد صادق الصدر ليس مجرد استذكارٍ لشهيد مرجعي، بل هو استدعاءٌ لمشروع أراد أن يعيد الروح إلى هذه المؤسسة، بعد أن طالها الركود وطوّقها الغياب.
الصدر كان يحمل وعياً يتجاوز اللحظة، كان يرى أن المرجعية الحيّة ليست تلك التي تعتلي المنبر أو تُصدِر الحكم، بل هي التي تنبض في الشارع، وتعيش مع الناس، وتتكلم بلسانهم، وتشعر بوجعهم، وتُعيد للدين مكانته في وجدانهم لا فقط في أوراقهم الرسمية.
في زمنه، لم يكن ذلك الدور مألوفاً، لذلك كان مشروعه أشبه بصدمة وعي، خاطب المسكوت عنه، ودخل الممنوع، وسار إلى الميدان، حتى إذا بلغ ذروة حضوره، اغتيل، لكنه، وهو يُغتال، لم يُنهِ المشروع، بل فتح الباب أمام السؤال: من بعده؟
هنا يطلّ اسم الشيخ محمد اليعقوبي، لا بصفته تلميذاً فحسب، بل بوصفه مجتهداً حمل لبّ الفكرة، ورفض أن يتركها تنزف وحدها على قارعة الشعارات، لقد فهم الصدر بعمق، لا من خلال تقليده في المظهر أو استنساخ خطابه، بل بمحاولة البناء على رؤيته، وتطويرها بما يناسب زمن ما بعد الصدمة.
عمل اليعقوبي بصبر العالم، لا بانفعال الجماهير، لم يسلك ذات الطريق الشعاراتي، بل آمن أن المرجعية الحيّة ليست فقط في الصوت المرتفع، بل في المشروع الهادئ، العميق، المستمر، بنى المؤسسات، ورعى الوعي المجتمعي، وحوّل المرجعية إلى فاعل مدني لا مجرد سلطة رمزية.
ما بين الصدر واليعقوبي خيط رفيع يجمع بين ثورية الفكرة ورصانة البنيان، بين الدم كبيانٍ صارخ، والعقل كخطابٍ متّزن.
وهذه الثنائية لا تعني التضاد، بل التكامل، فإن كانت المرجعية قد انفجرت بالحياة على يد الصدر، فقد استمرت نابضة بالحركة على يد اليعقوبي.
إنها المرجعية الحيّة، لا التي تعيش في الذكرى، بل التي تواصل الحضور، لا التي تكتفي بالماضي، بل تكتب المستقبل.
وما أندر المرجع إذا صار مشروعاً، وما أندر المشروع إذا بقي حيّاً.
2 ذو القعدة 1446