المبادرات المجتمعية والتمهيد لدولة العدل الإلهي.. مبادرة زراعة 100,000 شجرة نموذجاً
لا يخفى على الواعين أن المبادرات المجتمعية دليل على الشعور بالمسؤولية، والشعور بالمسؤولية والمبادرة للعمل الاجتماعي له دور كبير في عملية التمهيد لدولة العدل الإلهي، وأن العمل المؤسساتي والجماعي أفضل وأكثر ثماراً من العمل الفردي.
لهذا السبب نجد المرجعية الرشيدة قد حثت في وقت مبكر على إنشاء المنظمات والجمعيات الخيرية والثقافية … وأطلقت الكثير من المبادرات المجتمعية، وأكدت على تنمية الشعور بالمسؤولية.. ففي مجال حثها على إنشاء المنظمات والجمعيات الخيرية والثقافية كان توجيهها للعاملين في وقت مبكر. وهذا يدل على قراءتها الدقيقة لمتطلبات المرحلة ومتطلبات المستقبل. لهذا جاء في خطاب سماحة المرجع اليعقوبي الذي أصدره بتاريخ 16 ربيع الثاني 1424هـ الموافق 16 حزيران 2003. والذي ألقاه على جموع أهل الناصرية حثهم على تنظيم أمورهم في اتحادات ونقابات وجمعيات بحسب ما يقتضيه الحال. كاتحاد إسلامي للطلبة ورابطة للمرأة المسلمة ونقابات إسلامية وللأطباء والصيادلة والمعلمين والمهندسين وغيرهم. وجمعيات ومراكز ثقافية واجتماعية وإنسانية ودينية،، وأوضح (إن هذه التنظيمات قوة لكم وإعزاز لأمركم، كما أنها تجعل العطاء أكثر وأفضل…)[1]
وبعد أن وجد أن الاستجابة ليست بالمستوى الذي ينبغي أصدر سماحته خطاب المرحلة الذي حمل عنوان (توسيع مؤسسات المجتمع المدني ضرورة حضارية). وذلك بتاريخ 23 جمادى الأولى 1426 الموافق 30 حزيران 2005م، وذكر سماحته دور هذه المؤسسات في حياة الأمة[2]
وفي كلمة ألقاها في وفد إحدى مؤسسات مجتمع المدني العاملة في الكوت بتاريخ 8 صفر 1426هـ الموافق 19 آذار 2005 قال سماحته:
ليس غريباً بأن يسمون منظمات المجتمع المدني بالسلطة الخامسة … فهي قادرة على التحكم بالسلطات الأخرى إذا أدت دورها … وهذا ما فعلناه هو تكثير مؤسسات المجتمع المدني…[3]
وفي كلمة ألقاها سماحته في وفد منتسبي مستشفى الكاظمية التعليمي سنة 2005. أكد فيها على أن من ضرورات العمل في هذه المرحلة إنشاء وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني. وعدّد سماحته مقترحات لإنشاء مؤسسات وذكر منها إصلاح ذات البين.
وفي كلمة لسماحته ألقاها في وفد مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) الثقافية ولفيف من أهالي ناحية النصر في الناصرية. حث فيها على تشكيل منظمات المجتمع المدني (الثقافية والخيرية والتعليمية …) وإعطاء الناس في جميع الاتجاهات.[4]
وفي لقاء سماحته مع عدد من منظمات المجتمع المدني ووجهاء العشائر من قضاء الخضر في محافظة المثنى ومن ناحية النصر في محافظة ذي قار ومن كربلاء، ووفود شبابية من البصرة وبغداد قال في كلمة له: إنني لا أجد عذراً لمعتذر لم يؤدِّ دوره في تحفيز إخوانه والاشتراك معهم في تأسيس المنظمات الإنسانية والخيرية والثقافية والتبليغية والاجتماعية وغيرها حتى تملأ مثل هذه المنظمات كل مساحات الاحتياج[5].
فسماحته لم يتوقف عند دعوة المؤمنين لتأسيس هذه المنظمات والجمعيات والعمل من خلالها بل دعاهم إلى تحفيز اخوانهم للمشاركة في التأسيس والعمل …
أما فيما يخص سعي سماحته في تنمية الشعور بالمسؤولية لدى الأمة. فلقد كان منطلق سماحته القرآن الكريم في بيان أهمية تنمية الشعور بالمسؤولية. وهذا ما تناوله سماحته في القبس القرآني ((فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر:92-93) تنمية الشعور بالمسؤولية)[6]
وأيضا تناول هذه المسألة المهمة في القبس القرآني ((وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) [الصافات : 24] المسؤوليات الثابتة والمتحركة).
الذي ختمه بسؤال طرحه وأجاب عليه سماحته:
ما الذي يقتضيه الشعور بالمسؤولية؟
إن الشعور بهذه المسؤوليات والالتفات إليها يقتضي عملين:
الأول: رفع التقصير عما لم يقم به الإنسان والندم عليه وتداركه.
الثاني: شحذ الهمّة والعزيمة ورفع مستوى الطموح ليبلغ أعلى هذه الدرجات ويستوعب أكبر مساحة من المسؤوليات ليحظى بأعلى الامتيازات عند الله تبارك وتعالى …[7]
وقد تطرق سماحته في خطابات وكلمات متفرقة إلى بعض الدوافع التي تنمي الشعور بالمسؤولية. ودعا سماحته لتعميقها ليرتفع لدى الأمة الشعور بالمسؤولية. ومن بين ذلك قد بيّنَ سماحته أن حب الوطن والشعور بالانتماء اليه هو الدافع الرئيسي الذي يدفع الأشخاص إلى الشعور بالمسؤولية وعدم إدخار الجهود والطاقات الهادفة إلى رفعة البلد ونموه وازدهاره. داعياً إلى تشجيع وتثبيت كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تعميق حب الوطن وخدمة أهله[8].
وأكد سماحته أن من باب التأسي بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). علينا الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين حيث قال سماحته:
ولكي نختصر الوقت ونخفف عنكم المؤونة نلفت أنظاركم إلى بعض ما يمكن أن نتأسى به من حياته (صلى الله عليه واله) ويعيننا على أداء مسؤولياتنا وسنجعله على شكل نقاط…:
4- الاهتمام بأمور المسلمين وهو (صلى الله عليه واله) القائل: (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع منادياً ينادي بالمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم)[9]. أين نحن من هذا الشعور بالمسؤولية وتذويب الأنانية لمصلحة الأمة. وهل يسوغ لنا أن نهتم بأنفسنا ونعتني بمصالحنا الخاصة ونترك حبل المجتمع على غاربه ولا تتحرك مشاعرنا لما يُعانيه فنعمل على مساعدته بما نستطيع …[10]
واستمر سماحته بدعوته لتنمية الشعور بالمسؤولية لدى الأمة فقد دعا سماحته أبناء بلدنا العزيز الى التكاتف والتآزر على المستويين الفردي والمجموعي (بشكل المؤسسات والمنظمات والروابط وغيرها). والمساهمة بنشر ثقافة (كلكم راعٍ) في مساعدة بعضهم البعض. والقيام بالأنشطة الخدمية بمختلف أنواعها للتخفيف عن كاهل إخوانهم ورفع المعاناة عنهم وعدم الاتكال على الدعم الحكومي. الذي ثبت عجزه وإخفاقه.
كما حذّر سماحته من التقاعس واللامبالاة وعدم الاهتمام بمعاناة الناس وترك السعي للتخفيف عنهم بمختلف الوسائل. لأنه سيؤدي الى غياب الضمير والوازع المجتمعي وبالتالي يجعلنا مع الشعوب الميتة معنوياً والعياذ بالله.[11]
أما فيما يخص المبادرات المجتمعية التي أطلقها المرجع اليعقوبي فهي كثيرة جداً … لم يكتف المرجع اليعقوبي بتشخيص الخلل والتقصير ووضع الحلول ليأخذ بها المتصدون لقيادة البلد بل أطلق الكثير من المبادرات لمساعدة الناس وتخفيف آلامهم ومعاناتهم، إنما حث سماحته على تشكيل مجاميع العمل الشعبي وعدم انتظار الحكومة للقيام بالأعمال فالكل يعلم تقصيرها وعدم الاكتفاء بالنقد، لهذا حث سماحته على العمل على إصلاح وترميم المدارس كإصلاح الأبواب والشبابيك والرحلات والقيام بحملات تنظيف[12].
وكرد عملي إيجابي على الفساد أسس سماحته مشروع صندوق (الزواج رحمة)، ونشرت أفكاره في كتاب (الزواج والمشكلة الجنسية) وقام بتزويج كثير من الشباب المؤمن[13].
وحينما رأى تقصيراً من قبل الحكومة العراقية في المجال الصحي في مدينة المعامل، دعا سماحته الأطباء المؤمنين إلى زيارة المناطق المحرومة وتقديم الخدمات الصحية، لأجل تنمية الشعور بالمسؤولية والمبادرة للقيام بهكذا أعمال وفعلا حصل ما أراد سماحته[14].
وعندما رأى نقصاً في المناهج الدراسية دعا المؤمنين لسدها فأطلقت مبادرة (الحسين بسمة تلميذ)…
ولتخفيف معاناة الأيتام وإدخال الفرحة والسرور عليهم أطلق مبادرة (الحسن فرحة يتيم)
وحينما رأى عزوف كبير عن القراءة أطلق مبادرة (يوم القراءة العالمي) يوم المبعث النبوي الشريف…
وحينما رأى تخلي الكثيرين عن العفاف بكل اشكاله دعا لإحياء العفاف وذلك يوم ولادة سيدة العفاف زينب الحوراء (عليها السلام)…
ولمواجهة الميوعة دعا إلى إحياء الفتوة وجعل له يوماً، وهو ذكرى معركة أحد يوم هتف جبرئيل لا فتى إلا علي … يوماً للفتوة لأجل تسليط الضوء على هذه الخصلة الكريمة في المجتمع …
ومبادرات التبرع بالدم للمصابين بأمراض الدم كالثلاسيميا واللوكيميا ولضحايا العمليات الإرهابية وقد كان سماحته في طليعة المتبرعين حيث تبرع بالدم للمصابين في العمليات الإرهابية التي طالت مدينة كربلاء يوم عاشوراء سنة 2004[15]، وقد بارك سماحته وحث على تشكيل هيئات للتبرع بالدم[16].
وغيرها العشرات من المبادرات … وكان آخرهما مبادرة مكافحة المخدرات يوم مولد الإمام المهدي في النصف من شعبان الماضي ومبادرة أطلقها سماحته قبل يومين وهي زراعة مائة ألف شجرة لمواجهة ظاهرة التصحر والغبار …
ولم يكتف سماحته بإطلاق المبادرات إنما راد سماحته أن يقوم المؤمنون الرساليون بعمل مبادرات من تلقاء أنفسهم وفق حاجات الناس لهذا حث سماحته المؤمنين على الاجتماع والتباحث في شؤون الأمة، حيث أوضح سماحته وهو يشرح أحد معاني تفكر ساعة أفضل من عبادة ستين سنة على ضرورة اجتماع العاملين ويجلسون جلسات تفكر … أليس تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة … كل يوم نجلس ونتبادل الافكار وندرس الحالة المحيطة بنا ثم نفكر بما ينبغي ان نتخذه من قرارات ونلزم أنفسنا (اهل التربية والاخلاق يحثون على إلزام النفس)، والآن حصلت تحديات جديدة فينبغي أن نلزم أنفسنا … من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم … لو دققنا بمثل هذه الأحاديث سيظهر الكثير منا أنهم ليسوا من المسلمين …[17]
وفي كلمة لسماحته ألقاها في أحد الوفود حث فيها على الاعتماد على النفس والتفكير وعدم الاكتفاء بالتلقي من الشيخ (يقصد نفسه) بل التفكر وتقديم المشاريع …[18]
فمن خلال هذه المبادرات والفعاليات واتساعها واتساع تنمية الشعور بالمسؤولية ستفرز حكومة مبادرة لعمل الخير وتتحلى بأعلى درجات الشعور بالمسؤولية قال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمْ)[الرعد:11]
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: كما تكونوا يولى عليكم[19].
( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، ونَبِّهْنِي لِذِكْرِكَ فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ، واسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِكَ فِي أَيَّامِ الْمُهْلَةِ، وانْهَجْ لِي إِلَى مَحَبَّتِكَ سَبِيلًا سَهْلَةً، أَكْمِلْ لِي بِهَا خَيْرَ الدُّنْيَا والْآخِرَةِ )
المصادرـــــــــــــــ
[1] خطابات المرحلة ج3 ص78.
[2] خطاب المرحلة، ج4 ص61. نشرة الصادقين العدد (26) الصادر بتاريخ 23 جمادى الأولى 1326هـ الموافق 30 حزيران 2005.
[3] تسجيل فيديوي.
[4] تسجيل فيديوي.
[5] خطاب المرحلة ج8 ص3.
[6] من نور القرآن ج2 ص373.
[7] من نور القرآن ج4 ص205.
[8] نشرة الصادقين العدد (194).
[9] وسائل الشيعة (آل البيت) ج16 ص337 /ح3.
[10] من نور القرآن ج4 ص128-132.
[11] الموقع الرسمي لسماحته ، 6 شهر رمضان 1438 الموافق 1 / 6 / 2017 (المرجع اليعقوبي: يدعو الى اطلاق المبادرات المجتمعية ودعم العمل التطوعي).
[12] كلمة سماحته ألقاها بعدة وفود منها وفد طلاب ثانوية الفدائي في البصرة ، يحتمل أنه سنة 2005 (تسجيل فيديوي)
[13] أنظر: خطاب المرحلة ج3 ص109.
[14] أنظر: موكب اليوم الموعود البصرة / مدرسة فتيان الامام الصادق، سنة 2005 (تسجيل فيديوي).
[15] أنظر: خطاب المرحلة ج3 ص333.
[16] نشرة الصادقين العدد (37) الصادر بتاريخ 3 محرم 1427هـ الموافق 2 شباط 2006.
[17] من كلمة لسماحته ألقاها في وفد جامعة الصدر الدينية فرع الديوانية بتاريخ 1 تموز 2004م (تسجيل فيديوي).
[18] عنوان الكلمة (يجب أن نتعلم فن إدارة المجتمع) بتاريخ آيار 2005 (تسجيل فيديوي).
[19] ميزان الحكمة ج3 ص2577.
محمد النجفي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية