بقلم: نهاد الزركاني
في كلّ زمانٍ يختبر اللهُ صدق الدعاة بقدر ما يحملون من مشروعٍ سماويّ.
فالرسالة لا تُقاس بكثرة الأتباع ولا بهتافات المريدين، بل بقدرة صاحبها على الصبر حين يعلو صوت الباطل وتكثر السهام.
يحكي لنا التاريخ أن العالم العامل الميرزا فتّاح الشهيدي، كان يوماً هدفاً لشتائم أحد الجهّال، فوقف الحاضرون ينتظرون ردّه، لكنه رفع رأسه وقال بهدوءٍ عجيب: ((إن كان ما قلتَه فيَّ حقّاً فأسأل الله أن يغفره لي، وإن كان باطلاً فأسألُه أن يغفره لك)).
تلك الكلمة كانت سيفاً من نورٍ قطع جهل الرجل، وعلّمت الأجيال أنّ الحلم أقوى من الغضب، وأن الصبر هو انتصار الروح على الانفعال.
واليوم، ونحن نرى ما يتعرّض له سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دامت توفيقاته) من إساءات وافتراءات، لا نرى منه إلا سكوت الحكماء وصبر الأولياء.
لا يردّ، ولا ينحدر إلى مستوى الشتيمة، لأنّ من يحمل مشروعاً رسالياً لا يضيّع وقته في الردّ على الصغار.
هو يعرف أنّ الحق لا يحتاج إلى صراخٍ، بل إلى ثباتٍ يُفحم الزمان.
إنّ القائد الرباني لا يغضب لنفسه، بل يغضب لله فقط.
وكلّ من يعرف اليعقوبي يدرك أنّ صمته ليس ضعفاً، بل رسالة تربيةٍ لمن حوله، أن لا ينجرّوا وراء ثقافة الردّ والجدل، وأن يتعلّموا من مدرسة الأنبياء كيف تكون الرحمة في موضع القسوة، والحلم في لحظة الغضب.
فما أعظم أن ترى في زمن الضجيج رجلاً لا يتكلم إلا حيث تنفع الكلمة، وما أندر أن ترى من يحتمل الأذى بصبرٍ يجعل خصومه ينهارون أمام اتزانه.
نعم، إنّ الإساءة إلى القائد الرباني ليست اختباراً له، بل امتحانٌ لأتباعه:
هل نحمل مشروعه بعقلٍ رساليٍّ صبور، أم نضيع في انفعالات الردّ؟
إنّ الوفاء له لا يكون بالجدال، بل بالعمل والفكر والسلوك النقيّ الذي يُثبت أنّ مدرسته مدرسة الأنبياء.
وهكذا، كما كان الميرزا فتّاح الشهيدي مثالاً للعالم العامل الذي صبر على أذى الناس.
يبقى الشيخ اليعقوبي اليوم رمزاً للقائد الذي يعلّمنا كيف نحمل الحقّ بصبر، ونواجه الباطل بالحكمة، وننتصر للنور بالصمت الواعي.