وصلنا في وحي غدير الصدر، وكما مر في الحلقة السابقة إلى الدرس الأخلاقي الذي عرج عليه السيد، والمستفاد من محاولة اتهام الشهيد الصدر وأولاده (قدس الله أسرارهم) بقتل المرجعين، وعلق عليها السيد الشهيد بعد ذكر منة الله عليه أن الدولة نستها والناس نسوها، فلا يعقل نسيانها من قبل أجهزة القمع الطاغوتية، في تلك الفترة القصيرة، ولي ما يمكن أن يصبح دليلاً وسأورده لاحقاً.
لكن السيد لم يحب إثارة انفعال الحكومة يوم ذاك أو ينفلت زمام اتباعه ومريديه إذ كانوا يتحلون بالارتباط العاطفي العالي الهمة المنضبط ببوصلة العقل، فعبَّر بهذا التعبير الهادئ، وما أشرت له من دليل أنه أحد ضباط الأمن جاء لبراني السيد الشهيد ظهراً بعد انصراف الناس طارقاً باب البراني بعد ذهاب السيد لبيته. وما إن علم به العاملون حتى خرج له السيد مقتدى الصدر (دام عزه) مستفسراً عن مجيئه. فأخبره قائلاً: (وصلنا خبراً مفاده أننا نحيك مؤامرة لاتهام السيد الصدر بقتل المرجعين، وهذا ليس بصحيح والحكومة لم تفكر بهذا مطلقاً وهذا اتهام المغرضين للدولة). وكان الكلام على الباب لم يؤذن له المجال للدخول، مما أوضح قوة السيد الصدر أمام الدولة وقوى الأمن.
قوة القائد من قوة جماهيره
هذه القوة جاءت من الارتباط الحقيقي للجماهير بقائدها والقلوب المفعمة بالإيمان والتسليم له. عشنا تلك الفترة حيث كانت أغلب قواعده الجماهيرية مستعدة لأي عملٍ يشير له قائدها، فكان التقليد حقيقياً والانتماء فنائياً والقواعد تشعر أنها أمة واحدة وقائدها واحد والخلافات تكاد تكون معدومة. لم أسمع طول تلك الفترة مشككاً من اتباعه في أوامره ونواهيه، بل يرون بتصرفاته الدين كله. فكانوا مصداقاً تشبيهياً لقوله تبارك وتعالى { لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ } (الأنبياء ـ 23) بخلاف اليوم وسيرة الكثير وللأسف تسأل ولا تريد أن تُسأَل ، وتطلب ولا تريد أن يُطْلَبَ منها ، والتقليد شكلياً.
هذا الكلام له ربط بالدرس الذي أورده الشيهد المقدس لطلبة الجامعة، وهو الطاعة التامة لله ولرسوله وأمير المؤمنين ومن يمثلهم. والرضا بالقدر والتسليم لأمر الله، وأشار بحديثه ضمناً وبعضها صراحةً لولا هذا التسليم لما سَلِمَ من تلك المؤامرة وغيرها. وقال مربياً الطلبة: ارضَ حبيبي بما يجري، واقبل بما كتب الله، بعدها تحدث عن نفسه وتربيتها ورضاه بما يجري عليه من البلاء، قائلاً: أما أنا فأبصم بالعشرة على ورقة راضٍ بما يجري وبما يكتب.
الذوبان في الله
كان السيد الشهيد يعاني من ضغط الدولة التي كانت تخافه على سلطانها، فحاولت تسقيطه بشتى الوسائل والسبل للخلاص منه، ولم تكن الحوزة بأعلى مراتبها بعيدةً عن هذا الفعل، فإنها خشت منافسته لها. فسعت إلى عزله عن أوساطها ومقاطعته حتى من الزيارات التقليدية التي اعتادتها فيما بينهم. خصوصاً بعد اتساع مرجعيته وقيام صلاة الجمعة، فشككت بطهارة مولده وتارة بعدالته وأخرى باجتهاده. فضلاً عن أعلميته وأقلها وسمت بالعيوب النفسية وغيرها وهذه وسائل كانت ومازالت إلى الآن تستخدم ضد منافسها.
والصلح خير
مع ذلك كانت رسائله يوجهها من خلال صلاة الجمعة علناً أو عبر بعض طلبة الحوزة الذين يمتازون بالمرونة والتواصل مع جميع الأطراف. كانت العزلة الأخيرة أو بالأحرى المقاطعة الحوزوية أصعب على نفسه وأشد ألماً على قلبه. ولم يكن لها سبب سوى أنه اختط نهجاً مرجعياً خلاف المعهود أو الإدارة الكلاسيكية وأكثر قرباً من الجماهير وأوسع مخالطةً لهم حتى وصِفتْ مرجعيته بمرجعية المعدان.
كل هذه المقاطعة وهذه العزلة والتسقيط، لم يؤثر فيه كثيراً لأن كان ذائباً في الله، وقد أشار في خطبه لمثل هذا العشق الإلهي حينما أشار لأحد قادة الإسلام والذي كان يخاطب الشباب قائلاً: ذوبوا في الإسلام، فعلق عليها الشيهد الصدر وقال: وأنا أقول ذوبوا في الله، وحتى أنه سُئَل عن عرفان ذلك القائد، فأجاب أن له قدم في العرفان، وأما أنا فكلي في العرفان وكان يقصد ذوبانه التام في الله.
تكملة الوحي ولقاء الشهيد في حلقة القادمة …
كتبها: عادل الساعدي
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية