بقلم الشيخ عبد الهادي الزيدي
ان الأيام المحصورة بين استشهاد الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله) في الثامن والعشرين من صفر وبين ولادته في السابع عشر من ربيع الاول لا بد ان تخصص للحديث عن شخصيته المباركة. لا يعني هذا خلو باقي الايام من السنة من الحديث عنه.
ان واقع الانسان يميل للتعامل مع المحسوسات والماديات التي يتعايش معها اكثر من ميله الى التفاعل مع الغيبيات ــ وان كان يؤمن بالغيب ــ الا انه يحتاج الى الاحساس بالأشياء، كما قرر ذلك القران الكريم في طلب نبي الله ابراهيم (عليه السلام) ان يريه الله تعالى كيفية احياء الموتى. لذا فان القران الكريم اخذ بنظر الاعتبار هذه الخصيصة في خلقة الانسان فجاء القران الكريم حافلا بالأمثال لتقريب المعنى.
على الرغم من الاحاديث والروايات التي وردت عن خلق النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) ومدى التواضع الذي كان يتصف به الا ان الذي لم يعاصره ويرى بعينه تجسيد هذه الاخلاق لم يتفاعل معها كما ينبغي. وعلى هذا التأسيس فحتى يمكن لمن لم ير شخصية الرسول وما يمتاز به من صفات بات لزاما ان يوجد من يجسد هذه الاخلاق على ارض الواقع. حينما ينقل لك مدى تواضع فلان واخلاقه السامية وانت لم تكن قد رايته فان تأثرك به ومعرفتك له لم تكن بالمستوى المطلوب كمن رأى منه التواضع والاخلاق بنفسه.
من الواجب على كل انسان ان يشهد بما يرى وان لا يكتم الشهادة، فكتم الشهادة من اعظم الذنوب، لان اثارا سلبية جمة تترتب على عملية سير المجتمع اذا كانت الشهادة عامة.
في كل مرة ازور فيها سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) اتعلم درسا بليغا في الاخلاق، وارى منه ما لم اره سابقا ــ عدم الرؤية عائد عليّ ولا يعني عدم وجوده فيه ـــ ففي كل مرة الحظ قضية ودرسا اخلاقيا عمليا، فهو لا يتكلم بلسانه بل عمله هو الذي ينطق عنه.
الدرس الاخلاقي العملي الذي نستفيده منه هذه المرة هو تواضعه المبهر لكل من يتعامل معه. كان راي الاخوة العاملين في المكتب (البراني) ان يضعوا كرسيا مختلفا عن باقي الكراسي ليجلس عليه المرجع بسبب انه يعاني من الم المفاصل المزمن، والجلوس على الكرسي (البلاستك) ولمدة طويلة يؤذيه، فقبل بهذه الفكرة لمدة من الزمن الا ان اخلاقه وتواضعه حالت دون ان يستمر بالجلوس على الكرسي المختلف. مع انه لا يلام على ما قام به اعضاء مكتبه من اختيار هذا الكرسي بسبب انه معذور لان الم المفاصل لا يطاق.
في احدى المرات زاره عمه الشيخ الشاعر الكبير صادق اليعقوبي في مكتبه، ومن المفروض انه يجلس على الكرسي الاعتيادي المخصص للضيوف الا ان سماحته ابى ان يجلس على الكرسي المخصص له وجلس على الكرسي المخصص للضيوف لانه راى ضرورة احترام الشيخ صادق اليعقوبي والجلوس على كرسي كالذي جلس عليه الضيف. وهذا التصرف ليس غريبا عنه فعندما كان سماحته يستقبل الضيوف في مكتبه السابق في حي الزهراء ومقاعد الجلوس سواء عندما كان ياتي عمه الرجل الكبير كان يجلب الوسادة بيده ليضعها خلف عمه.
وعلى ذلك امر المرجع اليعقوبي ان يبدل الكرسي المختلف عن كراسي الضيوف ويجلس على الكرسي البلاستيكي حاله حال الضيوف الذي يتوافدون الى زيارته. مع تحمل الضرر الناجم عن الجلوس على هذا الكرسي الا انه ابى ان يمتاز عن الاخرين بمجلسه. فقال لبعض العاملين في مكتبه كيف اجلس على كرسي مختلف وفي الضيوف والمراجعين من هو اكبر سننا مني واشد مرضا؟
فعندما رأيت هذا التصرف وانا اعلم انه يعاني من الم المفاصل استشعرت مدى تواضع رسول الله (صلى الله عليه واله) واهل بيته الطاهرين. فهذا الدرس الاخلاقي العملي يعلمنا ويبين لنا مدى تواضع القائد لرعيته ويختزل مئات الروايات والاحاديث عن التواضع.
في الختام اقول: انظروا لصفات هذا المرجع يسهل عليكم معرفة الاخلاق التي كان عليها الرسول واهل بيته (صلوات الله عليهم اجمعين) فالأخلاق هي منهج عملي وليست كلمات وعبارات تطلق هنا او هناك.