بقلم المبلغة/محاسن غني النداف
في جلسة حوارية جمعت ثلة من الشباب تناولوا فيها مظاهر الظلم والطبقية المقيتة التي باتت تتحكم بمصير العباد والبلاد، ثمة من تجرأ على الإفصاح عما يجول في ذهنه من تساؤلات حول شخص الإمام ومجمل حيثيات وجوده المبارك، وسرعان ما التحق بقية الشباب مابين متسائل ومشكك وقد طفت على السطح تلك الأفكار المادية الهزيلة!، لكن لقانون الطبيعة حاكميته المطلقة، فكلما قلت كثافة المادة طفت على السطح!. وفيما يلي أهم الأسئلة المطروحة في الجلسة:
السؤال الأول
ما نفع هذا العمر الطويل الذي يعيشه الإمام متنقلاً بين الأجيال المتعاقبة؟
جواب على هذا السؤال نقول إن الحق سبحانه حكيم في أفعاله، وأفعاله كلها معللة بالغايات. وقد اقتضت حكمته أن يطول عمر الإمام ليعايش مختلف المسارات الفكرية والسياسية والاجتماعية والعلمية ومناهج تطورها عبر التأريخ، وما تمتلكه من نقاط ضعف وقوة.
هذه الخبرة وهذا الإطلاع كفيلان ببسط هيمنة الإمام (سلام الله عليه) حين ظهوره، ماسكاً بزمام الأمور لسابق علمه واطلاعه. مما يولد ثقة المجتمع، المفروض تحققها، بما يتخذه من قرارات وأحكام كثمرة لتلك المعايشة.
وهذا المنهج الإلهي الحكيم ليس غريباً أو مستحدثاً، إنما هو ذات المسار الذي سلكه الأنبياء السابقون سلام الله عليهم.
فكان التكليف بالتبليغ يأتي عقب النشأة والعلقة المجتمعية،( لقد لبثت فينا عمراً) يألفون ويؤلفون، حكاية عما رواه القرآن الكريم من سير الأنبياء مع أممهم.
لذا يفترض بنا أخذ جانب الحيطة والحذر، فعلم الإمام بمجريات الأحداث هو علم تفصيلي لا إجمالي وهو مطلع على أحوالنا، هذا على الصعيد الفردي.
أما على الصعيد الاجتماعي فحري بنا أن نعتبر من قصص الأمم السالفة. وكيف أنهم لم ينتفعوا بثمرة المعايشة، فانقلبوا أبشع انقلاب على من كانوا يتأملون ظهورهم. لا لشيء إلا لانهم لم يساوقوا مشتهيات انفسهم الدنيوية!
ولا حول ولا قوة آلا بالله العلي العظيم.
السؤال الثاني: لماذا يفسح المجال أمام الطواغيت والظلمة ليعيثوا في الارض فساداً والإمام، حسب تعبيرهم، واقف يتفرج ولا يصنع شيء ليحول دون حصول هذه الكوارث؟
للجواب على هذا السؤال نقول:
تخيل لو أن معلم الصف اختار أحد التلاميذ المعروفين بنبوغهم العلمي وتميزهم الأخلاقي، ليكون ممثلاً عنه حال غيابه فيما يخص إدارة شؤون الطلبة.
فكم طالب سيتقبل هذا الأمر؟
سيعترض الكثير على هذا الانتخاب لأن كل فرد منهم يجد نفسه كفوءاً لهذا المنصب إذا ما أتيحت له الفرصة.
الحسد والمنافسة وحب السلطة تدفعان بالإنسان إلى عمل المستحيل لينال مراد نفسه. وأقل ما يفعلونه هو وضع العراقيل أمام هذا القائد المنتخب ليثبتوا فشله.
وهذا بالضبط ما حصل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكذلك مع وصيه وسائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام). فقسوة وبطش السلطات الحاكمة المتعاقبة، وتخاذل المجتمع عن نصرتهم حرم الناس تدريجياً من بركات القيادة المباشرة لحجة الله في الأرض.
وخلي بينهم وبين ماتشتهي أنفسهم وتصور لهم أوهامهم وأحلامهم، لظنهم أنهم قادرون على إدارة شؤونهم بأنفسهم.
وسيستمر الأمر على هذا المنوال إلى أن يعلن الناس عن يأسهم من أنفسهم ومن كل أنظمتهم الوضعية، وأن لا أمل لهم بالخلاص إلا بالرجوع إلى الحق سبحانه.
السؤال الثالث: هل أن ظهور الإمام مرتبط بزيادة الازمات والمشكلات العالمية أو انتظاره للأذن من الله سبحانه بالظهور، كما نسمع في بعض الخطب والروايات؟
أجبنا عن هذا السؤال بقولنا أن ظهور الإمام مرتبط إلى حد كبير بنا اي بالقاعد المنتظرة للظهور والمستشعرة لوجوده المبارك.
هنالك مقومات أساسية واجب توفرها في هذه القاعدة لكي نتلافى ما حصل في الماضي.
وأبرز تلك المقومات هي التسليم المطلق لقيادة الإمام المفترض الطاعة، انطلاقا من الايمان الصادق بحركته والفهم الواقعي لحجيته، وهو ليس بالامر الهين، بل يحتاج الى الكثير الكثير من الاعداد والاستعداد الفكري والعقائدي.
والتاريخ حافل بأمثلة عديدة لاناس ذوي مقامات إيمانية وعلمية سامية، إلا انهم فشلوا في هذا الاختبار فشلا ذريعا، لانهم فهموا القضية من حيث هم يريدون لا من حيث يريد الحق سبحانه. فلا مجال للمجازفة، والعالم لن يصبر على عاشوراء ثانية. ولن ينفع حينها توبة التوابين.
إذا لابد من إحراز وجود هذه القاعدة المؤمنة المناصرة ليتحقق الاذن بالظهور. أما المشكلات العالمية فماهي إلا عوامل صقل للمجتمعات على الصعيد الفردي والفكري.
السؤال الرابع: كيف يتم إعداد هذه القاعدة المناصرة؟
هل هناك جهات معينة تعمل على إعدادهم وتدريبهم؟
ونقول في معرض الاجابة عن هذا السؤال إن التاريخ القرآني والتأريخ الاسلامي يقدم لنا الجواب الشافي.
فعندما نقرأ سيرة الانبياء نلاحظ وجود ثلة مؤمنة حافظت على البقية الباقية من جذوة التوحيد والتقوى في جنبات حياتهم المستورة عن اعين الظالمين لكن نواياهم الصادقة وايمانهم الخالص كانوا بعين الله سبحانه فثبتهم وايدهم بنصره على يد انبياءه ورسله.
فالثبات على المبدأ وإخلاص النية لله سبحانه كفيلة بجعلك في مدار المقربين من صاحب العصر والزمان ليشملك برعايته وتربيته.
فالإمام أولى بتربية أنصاره مادام يجد عندهم الاستعداد الفعلي للطاعة والالتزام. والخطوة الأولى للتخلص من الجاذبية الأرضية المادية. هي التزام التكاليف على النحو الصحيح والمداومة على قراءة القرآن الكريم. حينها ستجد نفسك تسبح في مدار القدس، مأنوساً بوجوده المبارك، متلهفاً للقاءه في كل آن.
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية