علي، وقد اختار الله له هذا الاسم، كما ورد: (علي اشتق من العلي).
ورسول الله صلى الله عليه وآله كنّاه بـ:أبي تراب في قصة معروفة.
ومن أشهر كناه:
أبو الحسن وأبو الحسين، وأبو السبطين و…
وهناك رواية تقول: بأن أمه سمّته عليه السلام عند ولادته (حيدرة) ويؤيده قوله عليه السلام يوم خيبر:
(أنا الذي سمتني أمي حيدرة).
وقالوا في وجه تسميته بعلي عليه السلام: أنه عليه السلام اعتلى كتفي رسول الله صلى الله عليه وآله
وكسر الأصنام، فهو (علي) من العلو والرفعة والشرف، والظاهر لأنه عليه السلام كان علياً في جميع الكمالات
والمجالات الدينية والدنيوية وغيرها سمّاه الباري عز وجل بهذا الاسم المبارك.
أما حيدرة فإنها اسمٌ من أسماء الأسد.. وكذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام فهو أسد الله الغالب.
ومن أسمائه وألقابه أيضاً: (البطين) لأنه كان بطيناً من العلم.
وسُمّي (بالأنزع) لأنه أنزع من الشرك.
ويسمى أيضاً (بأسد الله وأسد رسوله).
وسمي بيعسوب الدين والمؤمنين
وقائد الغر المحجلين كذلك.
وقد سبق أن علياً مشتق من اسم الله الأعلى سبحانه، قال أبو طالب عليه السلام:
سميته بعلي كي يدوم له عز العلو وفخر العز أدومه
وفي المناقب: انه لما ولد علي عليه السلام أخذ أبو طالب عليه السلام بيد فاطمة بنت أسد، وعلي عليه السلام على صدره
وخرج إلى الأبطح ونادىأ
يا ربّ يا ذا الغسق الدجــي والقمر المبتلــــج المضـــي
بيّن لنا من حكمك المقضي ماذا ترى في إسم ذا الصبي
قال: … وإذا بلوح أخضر كتب فيه:
خصصتما بالولــد الزكي والطاهر المنتجب الرضي
فإسمه من شامخ عـلــي علي اشتق من العـــلـــــيّ
قال: فعلقوا اللوح في الكعبة، وما زال هناك حتى أخذه هشام ابن عبد الملك.
فيا له من مولود طاهر.. من نسل طاهر.. في موضع طاهر! فأنى لغيره أن يحوز هذه الكرامة.
ولا عجب من تعدد الأسماء، في هذه الروايات، فإنه دليل على كمال المسمى.
مولد النور
ولد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المشرفة، وروي أن فاطمة بنت أسد عليها السلام كانت تطوف بالبيت العتيق وهي حامل بعلي عليه السلام فضربها الطلق فلاذت ببعض جوانب البيت وتمسكت بأستار الكعبة وأنشأت تقول:
“رب إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وإنه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسّرت علي ولادتي”.
يقول الراوي: فرأينا البيت وقد انفتح14 عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا.
وكانت ولادته عليه السلام في أسعد يوم من أشرف شهر في أشرف بقعة وأقدسها، وذلك في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر
رجب المرجب (شهر الله) داخل البيت الحرام، علماً أن أحداً لم يولد في البيت الحرام لا قبله ولا بعده، فقد تفرد عليه السلام بهذه
المنقبة الباهرة.
من فضائله عليه السلام
وقد امتاز أمير المؤمنين علي عليه السلام بصفات عديدة لا يسع المقام لبيانها ولو إجمالاً .. ونكتفي هنا بما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله: “من أراد أن ينظر إلى آدم في خلقه، وإلى نوح في حكمته وإلى إبراهيم في حلمه فلينظر إلى علي بن أبي طالب”16.
الاعتقاد بولايته عليه السلام
لماذا نؤمن بالإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ونعتقد بولايته؟
وما هي فوائد الإيمان بذلك؟
عن أم سلمة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: “لا يحب علياً إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق”.
فأول فائدة في معرفة الإمام عليه السلام والاعتقاد به تعود للإنسان نفسه، فإن أمير المؤمنين عليه السلام كلما تعرف عليه المجتمع البشري بشكل عام والمجتمع الإسلامي بشكل خاص كلما كان يعود بالنفع عليهم وإن لم يكتسب هو عليه السلام من ذلك أية منفعة لنفسه، كما أنه عليه السلام لا يضره شيء حتى لو أساءت كل الدنيا إليه وهجرته.
فمعاوية عندما أخذ يسب ويلعن علياً عليه السلام على المنابر وأمر بذلك جميع ولاته، لم يتضرر به الإمام18 أي ضرر، حيث أنه عليه السلام مستغنٍ عن مدحنا له على المنابر أو في المحافل العامة وإنما تضرر معاوية وتضرر المسلمون وتضررت البشرية جمعاء وحتى الأجيال القادمة..
فالمسألة بالعكس تماماً، فنحن الذين ننتفع بمدحه عليه السلام ونستفيد من فضائله ومناقبهعليه السلام، ونتضرر إذا ابتعدنا عن
نهجه وتكبّرنا عن الاقتداء به.. ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “ذكر علي عبادة”، فإن العبادة توجب التقرب إلى الله
وتكامل الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة، وهكذا يكون ذكر علي عليه السلام فإنه يوجب السعادة الدنيوية والأخروية..
علماً بأن الذكر يشمل الذكر العملي أيضاً كما لا يخفى..
وقد أشار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى ذلك بقوله: “وأن ههنا لعلماً جماً ـ وأشار إلى صدره ـ ولكن طلابه يسير،
وعن قليل تندمون لو فقدتموني”.
ويمكن تقريب الصورة إلى الذهن بمثالٍ: فلو أن الناس احترموا الطبيب الذي يعيش بينهم والتفوا حوله، سوف تقل مرضاهم ولصدّ
ذلك ـ نوعاً ما ـ عن أمراضهم، وحافظوا على سلامتهم وصحتهم..
أما إذا تركوا الطبيب ولم يلتفوا حوله بل أهانوه و… فستزداد أمراضهم، وتسلب راحتهم وتصبح سلامتهم وحالتهم البدنية معرضة
للآفات والأمراض، أما الطبيب نفسه فلا ينتفع بنفعهم ولا يتضرّر بضررهم بشكل أساسي، بل هم المنتفعون إذا اهتموا بطبيبهم
وأصغوا إلى نصائحه وتوجيهاته، وهم المتضررون إذا تخلوا عنه.
وأين الطبيب من أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي لا يمكن الاستغناء عنه في جميع مرافق الحياة، وكل مراحل العمر،
وما ذكرناه ـ آنفاً ـ ليس إلا مثالاً لتقريب الصورة لا أكثر.
ومع كل هذا، رأينا كيف ظلم بعض الناس أنفسهم وانفضوا من حول الإمام علي عليه السلام، ففروا من نوره الشعشاع إلى
ظلماتهم الدامسة.
لقد كان عليه السلام يناديهم بين الحين والآخر بقوله: “أيها الناس إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء بها
أممهم، وأديت إليكم ما أدت الأوصياء إلى من بعدهم… لله أنتم! أتتوقعون إماماً غيري يطأ بكم الطريق ويرشدكم السبيل؟”.
في حيـــن أن على الناس أن يـــختاروا الأفضل دائماً وقد عين رسول الله صلى الله عليه وآله الأئمة من بـــعده حيث قال: ” الخلفاء بعدي اثنا عشر”.
وقال: “أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم”، ولكن الناس أخّروا علياً فأخروا حظهم بذلك.
ولذلك نرى المسلمين تخلفوا باتّباعهم أمثال معاوية..
وكذلك المسلمون اليوم إذا لم يرجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام سيكون مصيرهم السقوط والتخلف، لأن أمير المؤمنين عليه
السلام نور إلهي يضيء الدرب لكل المجتمعات الإنسانية إذا ما عملت بقوله وآمنت به واقتدت بسيرته، فهو الذي يعطي العلماء
علماً، وللمجاهدين قوةً، وللصابرين صـــبراً، وللمتقين روحاً وتقوى، وللمضحّين إخلاصاً، وللسياسيين درساً، وللاقتصاديين منهجاً،
وللحكام برنامجاً، وللشعب تقدماً، وحتى لغير المسلمين رحمة وعطفاً..
وهو الذي يعطي جميع ما يحتاجه الناس في الدنيا والآخرة وقد قال الشاعر:
من ذا بخاتمه تصـــدق راكــعــــاً وأسرها في نفسه إســــرارا
من كان بات على فراش محمـــد ومحمد أسرى يؤم الغـــــارا
من كان في القرآن سمي مؤمناً في تسع آيات تلين غــــزارا
في حين أننا نرى غيرنا يقتدون بأنبيائهم وأئمتهم ـ ولو بنسبة ـ رغم عقائدهم المنحرفة، فالمسيح عليه السلام نبي من أولي
العزم، لكن المسيحيين عرفوه بشكل غير صحيح ودون مستواه الرفيع لا بواقعه الذي نعرفه نحن المسلمون، إنهم عرفوه
باعتقادات منحرفة، ومع ذلك يعملون بتعاليمه التي أرادوها ويطبقونها ويسعون إلى التبشير بها، ويقولون: بأنه المنقذ لهم في
الدنيا والآخرة..
قال القرآن الحكيم: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
فلو عملنا – نحن المسلمون – أصحاب الاعتقاد الصحيح والرسالة المحمدية مثل ما يعمل المسيحيون أو غيرهم سنصل بأسرع
وقت إلى قمة الحضارة من جديد وتأسيس حكومة المليار ونصف مليار مسلم27، التي دعا إليها الإسلام وأئمة أهل البيت عليهم
السلام فقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾.
وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
وقال عز وجل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾.
وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: “من قصر في العمل ابتلى بالهم”.