قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} ([1])
انطلاقاً من الآية المباركة التي تحدثت عن قيادة النبي (صلى الله عليه وآله) بصورها المتنوعة: شاهداً، ومبشراً، ونذيراً، وداعياً، نتحدث حول مشكلة في القيادة على اختلاف أصنافها ضمن الدائرة الإسلامية، وبعض العلاجات المقترحة:
إن من أهم العوائق التي تجهض أسس أي مشروع إسلامي سواء أكان دينياً أو سياسياً أو علمياً أو ثقافياً أو.. الخ، مهما كان حجمه صغيراً أو كبيراً، وتتسبب في إرجاعه إلى الوراء،َ وتحول دون نضوجه وتطوره، بل وتأتي على قواعده بالهدم المستمر، وعلى جمهوره بالتشتيت الذي قد يصل إلى مستوى انعدام القناعة حتى في الالتزام الأخلاقي في العمل لأجله، وفقدان الانشداد الروحي نحوه، وتضعيف الإيمان بقيمه ومبادئه، وبجدوائيته الميدانية، هو وجود قيادات في المشروع؛ في دائرة التنظير له، وفي توجيه قرارته؛ فاقدة للكفاءة العملية والتجربة المتراكمة وحسن الإدارة، مهما كانت رمزيتها لامعة، وعنوانها العلمي براقاً، والذي لا ينهض _ وهذا ما تفرزه مسيرة المشروع في واقع المجتمع _ حتى على مستوى التنظير، ورسم الخطط، وإبداء الرأي الأنجح والأوفق لمتطلبات المرحلة، وإن كانت هذه القيادات في صورتها الظاهرية تحمل ولاء عاطفياً منقطع النظير للمشروع.
بعض العلاجات بعد التشخيص
___
1. إعادة تقويم عمل القيادات في الفترات السابقة، وما مساحة النتاج الذي قدمته، والآثار الإيجابية التي تولدت من عملها، وفي ظل ادارتها لبعض المفاصل الحيوية داخل المشروع، خصوصاً مع توفر كل إمكانيات العمل الناجح بين أيديها، وإمكانية تذليل العقبات في دائرة حركتها. وبذلك يكتشف هل كان القائد في هذا المفصل (قمينا) أي جديراً بحمل أمانة القيادة من منظار الإسلام على حد تعبير الإمام الرضا عليه السلام: (.. فهو قمين )([2]).
2 _ تغيير بعض القيادات التي لم توفق لتطوير المشروع، والأخذ بزمامه نحو الأمام، واستبدالها بدماء جديدة متخصصة وقادرة على العمل والعطاء من جديد، وإذابة الجليد المتراكم، وبث الحياة في جنبات المشروع الذي أصيب بالشلل،
قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} ([3]).
3 _ المساندة والتأهيل وفق استراتيجية مرسومة _ وفق مراحل متعاقبة _ للطاقات الشابة الجديدة الكفوءة والمخلصة، وتنضيج قدراتها لتكون قيادات جاهزة باستمرار عند الحاجة إليها، من خلال الدورات التأهيلية المكثفة وورش العمل، ودعم الدراسة للحصول على شهادات عليا ونيل التخصصات المتنوعة النافعة في مجالات المشروع المتعددة.
قال تعالى: { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } ([4]).
قال تعالى: { إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } ([5]).
4 _الشجاعة في إقصاء وعزل من ثبت عدم نجاحه في عمله المناط له، وعدم إبقائه في دائرة القيادة والقرار، ويمكن الإفادة منه في أعمال أخرى أقل خطورة وحساسية من الموقع الذي كان فيه، ولم ينجح بإدارته.
ورد في كتاب الإمام علي (عليه السلام) لوالي البصرة عندما عزله بعد شكوى قدمتها سودة الهمدانية: (إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملك حتى يُقدم عليك من يقبضه. والسلام) ([6]).
5 _ وجود عيون (أي جهاز رقابي) ممن ثبت إخلاصهم وتفانيهم وتجردهم من الأمراض الأخلاقية والمطامع الدنيوية، في داخل المشروع تختارهم القيادة المركزية، ويرتبطون بها مباشرة دون وسائط، وتكون وظيفتهم مراقبة سير عمل القيادات الفرعية، ومتابعة أنشطتها، ومدى انسيابية علاقتها مع جمهورها، وتوثيق ذلك كله، وجعله في متناول يد القيادة المركزية.
ورد في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى كعب بن مالك: (أما بعد، فاستخلف على عملك، واخرج في طائفة من أصحابك حتى تمرّ بأرض كورة السواد، فتسأل عن عمّالي، وتنظر في سيرتهم فيما بين دجلة والتعذيب)([7])
وورد في بعض كتبه عليه السلام لواليه على البصرة:
(أما بعد يا بن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان. وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو..) ([8])
وورد في كتاب له عليه السلام لبعض عماله:
(أما بعد، فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك وعصيت إمامك، وأخزيت أمانتك. بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلى حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس، والسلام) ([9])
6 _ وجود مجلس المستشارين من ذوي التدين والتخصص والكفاءة والتجربة والشجاعة والإخلاص، بالقرب من القيادة، لإبداء المشورة، وتقديم المقترحات، وتصحيح الآراء، وتقويم المسارات، ذلك إعانة للقيادة في تأدية عملها وإنجاحه، قال تعالى: { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}([10]).
قال تعالى: { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} ([11])
قال تعالى: { …فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر} ([12])
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : ((من شاور ذوي العقول استضاء بأنوار العقول)، (المشورة تجلب لك صواب غيرك)، (المستشير متحصن من السقط)، (المستشير على طرف النجاح)، (لا ظهير كالمشاورة)، (شاور قبل أن تعزم، وفكر قبل أن تقدم)) ([13])
وختامها مسك:
قال تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} ([14]).
الهامش:
([1]) الأحزاب :46.
([2]) بحار الأنوار ، المجلسي، ج25 ص 116 ح1.
([3]) يوسف : 56.
([4]) البقرة : 247.
([5]) يوسف : 55.
([6]) كشف الغمّة ، الاربلي ، ج 1 ص 173.
([7]) موسوعة الإمام علي، الريشهري ، ج 4، ص 138 – 139.
([8]) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ج 16 ص205.
([9]) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ج16 ص 164.
([10]) يوسف :54.
([11]) القصص : 26.
([12]) ال عمران : 159.
([13]) ميزان الحكمة، الريشهري ، ج2 ص 1524.
([14]) الزمر : 18.
الشيخ عمار الشتيلي
النجف الأشرف
3 _ شوال _ 1445 هج
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية